اﻷحد 5/2/2023 الساعة العاشرة مساءاً
الصُداع الذي بدأت أشعر به منذ الصباح يزداد وأنا جالس أمام التلفاز أتفرج عليه تارة وأقرأ في كتاب ما تارة أخرى، لم أكن معتاداً على تناول الحبوب المسكّنة فضلاً عن أن الأنفلونزا التي أصبت لها منذ حوالي الأسبوعين مازالت تتحسس جسمي باحثة على مكان ما نسيت أن تمﻷه باﻷوجاع، لذلك قدرت أن الوقت حان للنوم الذي قد يتكفل بهذا الصداع العنيد الذي لا يبدو أنه ينوي الرحيل بسهولة، لذلك ذهبت واستلقيت على الفراش وغرقت بعدها في نوم عميق.
الاثنين 6/2/2023 الساعة الرابعة وسبعة عشر دقيقة – اليوم اﻷول
استيقظت على هزة قوية ففتحت عيناي واكتشفت أن الغرفة بما فيها لا تكف عن الاهتزاز بشكل عنيف.
إنه زلزال … ملئت هذه العبارة عقلي وأنا أحاول القيام من الفراش بسرعة بأطراف لم تستيقظ من النوم بعد .. اتجهت الى الممر وخطرلي أن غرفة الفتاتين في زاوية المنزل وهذا خطر عليهم وبدأت التوجه لهناك بسرعة عندما شاهدت زوجتي تركض باتجاه غرفتهما وهي تصيح بأن هناك زلزال منادية الفتاتين ليستيقظا وبعد ثوان كنا نقف في الممر وقد أمسكنا بيدينا جداريه وأصوات مرعبة تمﻷ المكان .. أنا أسكن في الطابق الحادي عشر ولك أن تتخيل ما يجري .. أصوات قادمة من الغرف ومن خارج المنزل ومن باطن اﻷرض .. قرقعة مخيفة تمﻷ المكان ونحن بالكاد نحاول التماسك .. أصوات تحطم زجاج متتابعة .. الزلزال لا يتوقف وجال في خاطري أن النهاية قريبة فرحت أدعو وأتضرع أنا وزوجتي بينما ابنتي الكبرى لا تكف عن التشاهد والصغرى صامتة بفعل الصدمة.
الزلزال يهدأ لثواني ثم يعاود بشكل مشابه أو قد يكون أقوى .. قال لي أحد اﻷصدقاء فيما بعد أن الزلزال اﻷول هو في الحقيقة ثلاثة زلزال متصلة والفارق بينهما هو لحظات هدوء لا تذكر ..
طال الوقت وأنا أزداد رعباً في كل ثانية تمضي الى أن جاءت لحظة ما توقف فيها الاهتزاز وهدأ كل شيء دفعة واحدة .. لم نصدق أننا والمبنى مازلنا واقفين وبقينا جامدين حتى تعالت دقات عالية على الباب وإحدى الجارات تصرخ من وراء الباب بأن ننزل من المبنى بسرعة.
هنا ركضنا لنرتدي ما نستطيع ارتداءه وأسرعت الى غرفة النوم وحاولت فتح بابها فلم يستجيب .. هل دُمرت الغرفة وأصبح ما وراء الباب خراباً على اﻷرض .. هنا قالت لي زوجتي بسرعة بأن طاولة المكواة هي ما تسد الباب بعد أن سقطت من وراءه فدفعت الباب أكثر فانزاحت الطاولة وظهرت الغرفة كما هي .. حمداً لله.
أثناء تجولي السريع في المنزل لاحظت تحطم بعض القطع الزجاجية التي سقطت على اﻷرض في الصالة وفي المطبخ، قفص العصفور سقط على اﻷرض وتناثرت محتوياته ووقف العصفور نفسه في أعلى القفص وقد كف عن الصياح، التقطته ووضعته أمام باب الخروج وأكملت تجهيز نفسي للخروج بسرعة .. كانت حوائجي في معطف معين ارتديته والتقطت جوازات السفر .. في ذهني ذكرى قريبة لموقف مشابه حدث منذ ثلاث سنوات جعلتني أتلافى ما نسيت جلبه وقتها.
أسرعنا بالنزول وكانت ابنتي الكبرى أولنا بعد أن وضعت القط توم في علبته وأمسكتها وأسرعت نحو درج المبنى .. لحقنا بها وقد أمسكت قفص العصفور ومعي ابنتي اﻷخرى وزوجتي .. كان الناس يسرعون بالنزول لاهثين على الدرج بعيون لا ترى أي شيء سوى طريق الخلاص وبوجوه ذاهله لا تصدق أنهم ما زالوا على قيد الحياة .. هذا سيناريو مصغر لما سيحدث في يوم المحشر.
في أحد الطوابق كان هناك رجل في بداية الخمسينات ينزل ببطء ويكاد يسد بجسده العريض أي فرصة لتجاوزه ولا يستجيب ﻷي طلب بالتنحي قليلاً لكي نستطيع المرور .. شعرنا بالغيظ منه ولكن يبدو أنه لم يفق من الصدمة بعد .. نحن نريد النزول بسرعة وهو ينزل بسرعة تتماشى مع عمره وحالته الصحية.
في النهاية وصلنا لمخرج المبنى وعبرنا نحو الساحة أمامه .. الدنيا برد بدرجة زمهرير والمطر يتساقط بغزارة .. بحثنا عن ابنتي الكبرى ولم نعثر عليها .. تلفتنا حولنا حائرين .. كان هناك عدد كبير من البشر متجمعين في الساحة وهناك من بدأ بالتوجه نحو الحديقة القريبة .. تساءلت زوجتي إن كانت قد سبقتنا نحو الحديقة ونفيتُ أنا ذلك ﻷنها لن تتحرك من دوننا.
في النهاية رأيناها تتجه نحونا وهي تكاد تبكي .. أخبرتنا بأن شاباً صغيراً قد صدم علبة القط أثناء نزوله بسرعة من الدرج فسقطت العلبة وانفتحت وقفز القط الخائف مما يجري نحوه من حركة وأصوات وركض هارباً واختفى، بحثت هي عنه في الطرف الخلفي من المبنى دون جدوى، ثم عادت لساحة المبنى دامعت وخائفة عليه.
أخبرتها بأنه لن يغادر المبنى وسيعود في أسوء تقدير الى أمام باب المنزل .. الحقيقة أن كلامي لم يكن مطمئناً حتى بالنسبة لي ﻷن مغادرة المبنى هو الخيار اﻷسلم في هذه الظروف وليس العودة داخله.
اتجهنا بسرعة نحو الحديقة المجاورة .. المطر لا يكف عن الهطول والبرد ينخر اﻷوصال، كان الانترنت وحده يعمل في تلك اللحظات وبدأت رسائل الاطمئنان الملهوفة تنهمر على هاتف زوجتي وهاتفي صامت بعد أن انتهت الباقة الشهرية منذ أيام.
الشوارع مليئة بالسيارات التي تسير ببطء واﻷرصفة مليئة بالناس وهناك من نزل بثياب النوم .. وصلنا للحديقة التي كانت شبه ممتﻷة بدورها .. بحثنا عن مكان ما مغطى عند أماكن الجلوس ووجدنا مكاناً .. المطر المتساقط جعل الثلج المتراكم منذ أيام يذوب وتتساقط قطراته في أماكن متفرقة من السقف علينا .. الوقوف وعدم الحركة جعلنا نشعر بالبرد بشكل أكبر وبدأ الأمر يصبح خارج الاحتمال فاقترحت زوجتي بأن تعود للبيت لتحضر بعض اﻷغطية وأردت الذهاب معها فقالت لي بأن عليّ البقاء مع الفتيات وبقية اﻷغراض وأني لا أعرف أمكنة اﻷغراض التي تريد احضارها .. هكذا أسرعت للبيت ومرّ وقت ثقيل قبل أن تعود ومعها اﻷغطية ومظلتان.
حكت لنا بأنها صعدت للبيت باستخدام المصعد بعد أن تعبت من الصعود على الدرج .. وهذا تصرف خاطئ بامتياز .. لاحظت أن العديد من أبواب البيوت مفتوحة وفكرت في إغلاقها ولكنها خشيت من أن أصحابها قد خرجوا من دون المفاتيح فتركتها مفتوحة وصادفت أثناء ذهابها رجل عجوزاً قال لها بأن لا تصعد ﻷن هناك هزة ارتدادية ستحدث قريباً جداً وهذا ما حدث فعلاً.
جلسنا على أحد المقاعد وأمسكنا بالمظلتين وتغطينا بغطاء كبير ووضعنا قفص العصفور في الوسط لكي يحصل على بعض الدفء وقطرات الثلج الذائب تتساقط بين حين وآخر فوقنا .. بدأت ابنتي الكبرى بالتساؤل بحزن عما جرى للقط توم، حاولت طمأنتها مع أن قلقي عليه لا يقل عن قلقها .. نحن نربيه منذ كان صغيراً ولم يخرج بمفرده أبداً ولا يعرف كيف ينام أو يأكل ويشرب خارج المنزل .. أخبرتها أننا سنبحث عنه في الصباح حتى نجده وأنه لن يبتعد أبداً عن المبنى.
كان منظرنا ونحن ملتصقين ببعض بغطاء واحد مع مظلتان .. وأين !!؟ .. في الحديقة طريف فعلاً برغم الظروف .. بدأنا نضحك بصوت خافت على مشهدنا الكوميدي اﻷسود بامتياز.
تذكرت موقفاً مماثلاً حدث في نهاية عام 2019 حين حدث زلزال أخفّ مما جرى بمراحل .. وقتها تراقصت قطع اﻷثاث ونزلنا أيضاً نحو الحديقة .. كان الجو بارداً وهواء مثلج يهب باستمرار .. جلسنا لنحو نصف ساعة ثم عدنا للمنزل ولم تحدث هزّات ارتدادية ملحوظة والحمد لله .. الوضع اﻵن مختلف والزلزال القديم لا يُجاري أبداً ذلك الذي حدث منذ دقائق.
اقترب منا بعد دقائق كهل ملتحي وأخبرنا بأن عربته على مقربة منا وأننا نستطيع الجلوس داخلها لو شئنا .. ولم نكذب خبراً وأسرعنا نحوها .. كانت حافلة بها عدة أشخاص ما بين نساء ورجال وأطفال .. جلسنا داخلها وتدثرنا باﻷغطية وحاولت تجاهل ضيق النفس الذي ينتابني كلما جلست في مكان ضيق ومزدحم خاصة أننا كنا نشعر بين الحين واﻵخر بهزات ارتدادية تتصاعد وتهدأ بسرعة لذلك لم يكن وقت هذا أبداً.
تلقيت اتصالاً من أحد اﻷصدقاء اﻷعزاء .. ها قد عادت الاتصالات .. واطمئننا بأننا وعائلاتنا بخير.
خلال الساعات التالية تغيّر ركاب الحافلة وأصبح معظمهم من النساء وكبار السن وبدأنا نشعر بالتعب من جراء الجلسة الغير مريحة .. كان هناك عجوز لا يكاد يرى يجلس هو وزوجته التي لا تقل عنه مرضاً جوارنا ولا يكف عن الحديث ويبدو أنه يداري بذلك خوفه وتوتره .. جاء صبي أعطى إحدى النساء لفافة بها كمية من الفطائر الساخنة قامت بتوزيع قطع صغيرة منها علينا وكانت لذيذة جداً وفي وقتها رغم حجمها الصغير من جراء البرد والجوع الذي أخذنا نشعر به بقوة … ضوء الفجر الخافت بدأ يتشجع ببطء ويأخذ شكل ضوء النهار.
في تلك اللحظات قررنا أن الجلوس في الحافلة حلّ مؤقت صار خارج الصلاحية ففكرنا بالتوجه نحو المدرسة التي تتوسط المكان بين الحديقة والمبنى الذي أقيم به .. سألنا عن الوضع هناك وأخبرتنا إحدى الجالسات في الحافلة أن المدرسة افتتحت أبوابها للناس وأن التدفئة تعمل في الداخل لكن أغلب الناس مازالوا خائفين من الدخول ومواجهة احتمال حدوث زلزال وهم في الداخل.
بالنسبة لنا كانت الحاجة لمكان دافئ يحوي دورات مياه هو اﻷولوية اﻵن لذلك اتجهنا بسرعة نحو المدرسة على اﻷقل لكي نجد مكاناً قبل أن يمتﻷ المكان.
كان الجو دافئاً في الداخل وهناك عائلات جلست في الردهة بعد الباب الرئيسي مباشرة لكي تتمكن من الخروج بسرعة في حال حدوث زلزال آخر مع أن المكان غير مناسب للجلوس بسبب كثرة إغلاق وفتح الباب لذلك صعدنا للطابق اﻷعلى حيث الفصول الدراسية ودخلنا أحدها.
كان الفصل خالياً إلا من عجوز وزوجته جلسا عند جهاز تدفئة وأسرعنا نحن وجلسنا عند اﻵخر وبدأنا نتدفئ ونستبدل جواربنا بأخرى جافة جلبتها زوجتي من المنزل.
وأمام الشباك رحت أتأمل المبنى القريب جداً الذي يفصل بيننا وبينه حديقة المدرسة الصغيرة ومن ثم شارع فرعي ضيق، رحت أدعو الله أن يبقيه سالماً وأن نعود إليه سالمين ولا يتكرر ما حدث لنا في سوريا حين خرجت من بيتي هناك ولم أكن أعلم أنها كانت المرة اﻷخيرة.
هنا شعرت بالحاجة لكي أفهم ما يحدث بالضبط فطلبت من زوجتي أن تبث لي الانترنت من خلال هاتفها وبدأت اﻷخبار تنهمر على جهازي ومعها بدأت أفهم حجم الكارثة وعرفت أن ما حدث في مدينة أنطاكيا كان يفوق ما حدث في عنتاب من ناحية الضحايا والخراب فبدأت بمحاولة الاتصال بأحد اﻷصدقاء اﻷعزاء الساكنين هناك ولم يصلني أي رد .. كتبت له على الواتس فلم يستقبل ما كتبته، هنا بدأت أشعر بالخوف بأن يكون قد حصل له مكروه ما ولكن .. حمداً لله .. بعد دقائق استطاعت زوجتي أن تتواصل مع زوجته وفهمنا أن الاتصالات عندهم في غاية السوء بسبب الزلزال وأنهم بخير.
بدأنا نشعر بالجوع مرة أخرى فذهبت لشراء بعض اﻷطعمة وهنا انتبهت الى أن أغلب المحلات مغلقة وأن مخبز الفطائر القريب قد نفد مالديه ويستعد للاغلاق .. ذهبت الى مخبز آخر وكان عنده بعض الزحام الذي جعله يبيع مخبوزاته أولاً بأول من دون أن يتاح له تبريدها .. اشتريت معها بعض العصائر وعدت لنتناول أول افطار لنا بعد الزلزال.
بعد أن فرغنا من الطعام بعدة دقائق حدثت أول هزة ارتدادية ونحن داخل المدرسة .. بدأ جهاز الاسقاط المثبت على السقف بالتأرجح وشعرنا بالهزة بشكل واضح وكدنا نخرج من الفصل لكنها توقفت بعد أن استمرت نحو عشر ثوان.
أخذنا نقسم أغراضنا وفق اﻷولويات لكي نعرف ما سيحمله كل منّا عند حدوث أي زلزال قادم بحث لا نضيع أي ثانية، وبقيت أبصرانا متجهة نحو جهاز الاسقاط كوسيلة إنذار فعالة لبدء أي هزة.
بعدها لم تتوقف الهزات الارتدادية بمعدل واحدة كل نصف ساعة على الأقل وحاولنا ضبط أعصابنا لكي لا نفر هاربين في كل مرة وكانت موجة الفزع التي دفعت الناس .. أغلبهم أطفال .. ﻹحداث ضجة كبيرة في الخارج تزيد اﻷمر سوءاً ولا ألومهم طبعاً.
إلا أن الزلزال الثاني الذي حدث حوالي الساعة الواحدة والثلث ظهراً تقريباً .. وفق ما أذكر .. نجح في جعلنا نركض هاربين خارج المبنى .. ولم يتوقف الزلزال إلا بعد أن أصبحنا خارج مبنى المدرسة نحن وجميع من فيها .. كان الناس متوترين لدرجة كبيرة وساد الوجوم المكان ثم عاد الناس ببطء لداخل المبنى بفعل الهواء البارد والمطر اللذان لن يجعلاك تفكر مرتين.
اخترنا هذه المرة فصلاً خالياً من القاطنين يقع بجانب الدرج مباشرة بحيث يكون زمن مغادرة المبنى أسرع، كان هناك فقط رجل بهيئة محترمة جالس في إحدى زوايا الغرفة ومنهمك بهاتفه عدا ذلك لم يكن في الغرفة أي أحد .. جلسنا في الطرف اﻵخر من الغرفة أمام النافذة عند جهاز التدفئة بعد أن وضعنا بعض المقاعد الدراسية هناك .. بعدها عادت ابنتي الكبرى للحديث والبكاء على القط توم ولم أستطع عندها سوى أن نذهب سوية الى المبنى لكي نبحث عنه .. وصلنا الى هناك وبدأت أصعد درج الطوارئ منادياً له حتى الطابق الحادي عشر الذي وصلته وأنا أتنفس بصعوبة ثم دخلنا للمنزل وأخذنا بعض اﻷغراض وبعض الخبز وماء الشرب، كنا نشعر بالخوف من تكرار ما حدث في الليل، نزلنا من خلال الدرج الرئيسي ونحن نبحث عنه في طوابق المبنى ومرة أخرى لم نعثر عليه فعدنا الى المدرسة مع كومة من الهموم.
كان الرجل قد جاء بعائلته وعائلة أحد أصدقائه .. الرجل الذي اكتشفنا فيما بعد أنه يسكن في سكن ضباط اﻷمن والشرطة القريب من المبنى هو وصديقه اﻵخر .. اﻷمر الذي جعلنا نشعر بالراحة وبنوع من اﻷمان.
بعد ساعات قليلة قضيتها في متابعة اﻷخبار خرجت مع ابنتي الصغرى لشراء طعام للعشاء .. المحلات مغلقة كما في الصباح عدا متجر صغير قريب من المدرسة .. انتبهت الى أن المواصلات العامة متوفقة تماماً وأن المتاجر خال من الخبز .. هذا شيء مفهوم في ظل ما يجري ومن الجيد أنني أحضرت بعض منه من المنزل .. لذلك اشتريت قطعتين من المرتديلا وعدنا للمدرسة وتناولناها.
كنت أتابع باستمرار اﻷخبار التي تنهمر بلا توقف وأنا بحالة عدم تصديق لما أقرأه .. كانت المواد البصرية قليلة لمحدودية حزمة الانترنت الموجودة في هاتف زوجتي لذلك لم أكن أستطيع وقتها رؤية مشاهد الخراب وأخبار العالقين في المباني وقد يكون هذا أفضل رحمة بأعصابي.
بدأ الظلام يهبط .. التدفئة تعمل بشكل جيد والمياه متوفرة ودورات المياه نظيفة .. المشكلة كانت في اﻷغطية التي لم تكن كافية وفي مكان النوم الذي ليس مكان للنوم ولكنه المتاح حالياً .. كان عدد أفراد العائلتين اللتان أقامتا معنا حوالي الثمان أشخاص ونحن أربعة أي أن الغرفة كانت تحوي اثنا عشر شخصاً على أقل تقدير وهذا ساهم في جعل غرفة الفصل دافئة بشكل جيد.
مددنا غطاءاً كبيراً على اﻷرض وتغطينا بآخر أصغر ونامت ابنتي الكبرى على مقعدين وضعناهما متجاورين لكي يصبحا أشبه بسرير ضيق .. أعطيناها غطاءاً وكان هذا كل ما نمتلكه .. وضعنا أغراضنا الهامة بجانبنا في زاوية الغرفة لكي لا تمتد لها يد ما وكنا سننام بكامل ثيابنا بالطبع فلا وجود لثياب النوم ولا مكان لاستبدال الثياب.
اتجهت الى دورات المياه التي مازالت نظيفة برغم كثرة الناس الموجودة في المدرسة .. وهذا شيء إيجابي وهام جداً في هذه الظروف .. الممرات منارة بضوء خفيف ..
عندما خرجت لاحظت أن صبياً يقف بسكون في إحدى الزوايا المظلمة .. نظرت إليه واقتربت بتساؤل .. ماذا يفعل هذا الصبي لوحده في هذا الوقت وتلك الزاوية و …
آه .. إنه تمثال طالب المدرسة الذي يرتدي زياً مدرسياً .. عدت لغرفة الفصل بسرعة وقد بدأت أرتعش من البرد
أطفأ أحد أفراد العائلتين الضوء الموجود في طرفهم وأبقوا الضوء الذي على طرفنا بناء على طلب إحدى النساء .. لم أفهم إن كان هذا ﻷنها تخشى الظلام أو أنها تخشانا .. لكني بهذه الظروف الصعبة لم أكن مهتماً بنوعية اﻷفكار التي خطرت لها لذلك قمت وأغلقت الضوء ﻷننا .. ببساطة .. نريد أن ننام.
قبل أن ننام حدثت هزة قوية نوعاً وسمعنا صرخات الرعب داخل وخارج الفصل مع بعض الخطوات السريعة في الممرات ثم توقفت الهزة وهدأ كل شيء بعدها.
هكذا انتهى اليوم اﻷول لنا بعد الزلزال أو لنقل سلسلة الزلازل وقد أصبحت المدرسة ملجأنا المؤقت الى حين.
حمد لله على سلامتكم، أنت أكثر شخص نعرفه قلقنا عليه من هذا الزلزال
الله يسلمك يارب وأشكرك على اهتمامك لا أراكم الله مثل تلك التجربة أبداً
لقد عشت جزءا مما عيشتموه من خلال سردك الجميل كعادتك. عيشت الزلزال مرتين أو ثلاثة في حياتي لكنها كانت خفيفة نوع ما ، ما درست في الجامعة بعض دروس الزلازل و البراكين في مادة علوم الأرض. لذا فأنا أعرف ما معنى أن تسمع صوت الأرض و هي تحتك ببعضها.
كان الله في عونكم و رحم الموتى , ألهم ذويهم الصبر. أتمنى أن تقوم الدولة التركية بإعادة البناء قبا الشتاء القادم. أما في سوريا فإن النظام لا يهمه سوى تلقي المساعدات لينهبها.
فعلياً سماع صوت احتكاك صفائح اﻷرض لا يقل رعباً عن الاهتزاز نفسه .. اﻷرض التي اعتدنا على أن تكون ساكنة ..
غالباً سيكون إعادة الاعمار هنا في تركيا سريعاً إن شاء الله .. أما في سوريا فالشعب له الله .. شكراً لكلماتك ودعواتك
حين وصلني الخبر أول ما جال في بالي هو أنت وأسرتك والزميل طريف ماندو
وأصبت برعب شديد أن أرسل لك شيء ولا يصلني رد، الحمدلله انك بخير
ما أوردته من كواليس في تدوينتك جعلني اعيش جزء من الرعب الذي مررت به أنت وأحبائك والصدمة أيضًا، أتمنى ان تتجاوزوا هذا المصاب على خير بإذن الله.
الله يخليك يارب وأشكرك عزيزي محمود على مشاعرك واهتمامك .. أنا اﻵن في ولاية بعيدة نوعاً عن مركز الزلزال في وسط تركيا تقريباً اسمها سيواس ونحاول هنا أن ننسى تلك اللحظات .. اﻷمر بحاجة الى وقت لا أعرف مداه .. شكراً لك مرة أخرى وأرجو أن تكونوا بخير دائماً.