مرحبا بك يا صديقي …
البرد يزداد وأنا أشعر بالمزيد من الانتعاش .. البرد له حل بعكس الحر .. بعض الملابس الثقيلة وشمسية عند اللزوم والجلوس في مكان دافئ قدر الامكان أو الحركة المتواصلة .. الدفء نعمة أرجو من الله أن لا يحرم أحد منها.
وحشية الصهاينة تزداد أيضاً هي والدعم الغربي لهم .. الحكومي تحديداً .. الديمقراطية على ما يبدو لا تساعد على وضع البوصلة الأخلاقية نحو الاتجاه الصحيح .. هي قد تساعد على أن لا يصل ديكتاتور ما للحكم.
هم لديهم ارتباطات ومصالح ملتزمون بها وبسبيل بقائها يكسرون كل القواعد الانسانية التي صدعوا رؤوسنا وضحكوا علينا بها ومازالوا يفعلون ذلك باستمرار.
لكن هناك من يتوقف مستقبل بلده ووجوده .. وليس مصالحه فقط .. على منع ما يحصل ولا يحرك أي ساكن .. من يزرع يحصد ما زرعه .. من لا يزرع لا يحصد .. هناك أيضاً من سيكون دوره بالموضوع هو أن لا يَزرع بل يُحصد فقط.
الضياع الثاني لتوم
لم تكن هذه أول مرة يضيع فيها قطي توم .. حدث هذا بعد زلزال شباط مباشرة حين سقطت الحقيبة التي وضعته ابنتي الكبرى بها أثناء نزولها من المبنى عندما اصطدم بها أحد النازلين المسرعين .. تحدثت عن ذلك في هذه التدوينة لذلك لن أكرر حديثي عن ما حدث مرة أخرى هنا.
لكن الأمر في هذه المرة كان مختلفاً .. اعتاد توم على مغادرة المنزل لعدة ساعات يقضيها متسكعاً عبر درج الانقاذ غالباً .. المبنى ذو الاحد عشر طابقاً يعطيه مساحة كبيرة للصعود والنزول .. وأنا كنت مطمئناً الى حد ما كونه يخاف من الغرباء ولا يسمح لأحد أن يقترب منه بل يبتعد مسرعاً بمجرد احساسه بوجود شخص ما.
كل هذا جميل .. لكن المشكلة كانت في أنه كان مقتنعاً بفكرة أن المبنى بأكمله هو ملكية خاصة له ومن غير المسموح لأي قط بالاقتراب من المبنى وإلا ستكون هناك معركة بينه وبين ذلك القط .. معركة بين قط منزل وقط شارع محسومة النتيجة غالباً .. هكذا صار يأتي كل فترة وأخرى وعلى جسده جروح مختلفة الحجم كان أخطرها جرح غير ملحوظ في صدره تطور لخرّاج استدعى أخذه لعيادة بيطرية عالجت له جرحه بطريقة خشنة لدرجة ما لذلك لم أعدّ لتلك العيادة بعد ذلك.
حاولنا مراراً تقليل مرات خروجه من المنزل دون جدوى .. كان يلازم باب الخروج ولا يكف عن المواء الحزين حتى يرق له قلب أحد ما ويخرجه.
لكن الذي حصل منذ بضعة أيام أنه غافلنا وخرج مسرعاً عندما كان باب الخروج مفتوحاً .. وعندما عاد لم يكن هناك أحد في المنزل .. عرفنا هذا عندما راجعنا فيديوهات كاميرات المراقبة الموضوعة في طوابق المبنى .. اختفى لعدة دقائق ثم عاد مجدداً ليدق الباب بيديه من دون أي رد ثم خرج من باب الطوارئ واختفى بعدها.
عرفت ما حدث بالتحديد عندما عدت من العمل وقضينا وقتاً طويلاً في البحث عنه بين طوابق المبنى وعلى درج الانقاذ وحول المبنى نفسه دون جدوى .. أبقينا آذننا مصغية تجاه الباب لنفتح له بسرعة حال عودته دون جدوى.
وجاء الصباح على هذه الحالة .. صعدنا الى السطح وناديناه ولم يجب .. لم نستطع السير عبر السطح لأنه مائل والحائط الصغير الذي كان يحيط بحوافه قد أزالوه بعد الزلزال خوفاً من أن يسقط على شخص ما.
بدأنا نعتقد أنه ابتعد هذه المرة لدرجة لم يستطع أن يعود بعدها .. هكذا تستطيع أن تقول أن الحزن من احتمالات عدم عودته قد تصاعد أكثر مع بقية أمل ضئيل من أن نعثر عليه بطريقة ما.
وعند الساعة الثانية عشر ظهر اليوم التالي اتصلت ابنتي الصغرى لتبشرني بأنه عاد بعد أكثر من يوم من اختفاءه .. كان متعباً وفروه مليء بالأوساخ والغبار .. وكان الجرح الذي خلف أذنه اليسرى قد تحول لخرّاج مغلق .. هكذا أخذناه في اليوم التالي لعيادة أخرى .. عيادته الأصلية البعيدة عن المنزل .. وفتحوا له الخراج ونظفوا له الجرح بعد تخديره وألبسوه حول رقبته أحد تلك الأقماع البلاستيكية لكي يمنعوه من اعادة فتح جرحه بمخالبه وأعطونا بعض الأدوية مع توصية شديدة اللهجة على منعه من الخروج من المنزل.
وهكذا انتهت قضية توم الضائع بقمع على رقبته مع تحديد كامل لاقامته 🙂
الأستاذ حلمي وعصاه الكتاكيت
كنت أسير منذ أيام في أحد مراكز التسوق عندما شاهدته .. لم أصدق عيني للوهلة الأولى فعدت ودققت فيه جيداً .. صحيح أنه كبر كثيراً ولكن ملامحه بقيت كما هي وخصوصاً نظرته التي أصابها التعب بعد كل هذه السنين ولكن بقية بالكيفية نفسها.
نظرته التي تشعر كأنها نظرة ولد شقي من النوع الذين يحب عمل المقالب بالناس .. المرح مع مزيج لا بأس به من الخبث ولمسة سخرية لا تخطئها العين.
شعرت بسعادة كبيرة عندما رأيته .. الأستاذ حلمي أستاذي التاريخ في سنوات الاعدادية .. أنا لا أذكر اسمه الأول مع أن ذاكرتي تهمس لي بنصف ثقة أنه أحمد .. الأستاذ المشهور بعصاه الذي أطلق عليها اسم كتاكيت والتي هي .. حقيقة ومن دون مبالغة .. تعطيك شعوراً آخر كما كان يقال على ذلك النوع من البسكويت الذي كانت ينتشر اعلانه بشكل كبير في ذلك الوقت.
وأنا أتكلم عن العصا التي كان يضرب بها التلاميذ على أيديهم تحديداً .. كان أغلب أساتذة المدرسة يفعلون ذلك في ذلك الوقت وكان الأستاذ حلمي يتميز عنهم بأنه يفعل ذلك بأسلوب ساخر مرح يجعل الوجع يتركز في يديك فقط دون روحك أو كرامتك … عصاه المؤلمة حقاً والتي تجعلك تحجم عن فعل أيّ شيء يجعلك تكرر التجربة.
كان من الأساتذة الذين لم أحمل كراهية وغضباً منهم في قلبي برغم المرات العديدة التي أذاقني بها مرّ عصاه الكتاكيت .. لذلك سعدت برؤيته أمامي بعد كل هذه السنوات الطويلة ورغبت بشدة في تبادل الأحاديث والتقاط صورة معه ومن يدري لعل صداقة ما تنعقد بيني وبينه وتكون بيني وبينه لقاءات وجلسات متواصلة.
لكن برغم ذلك ظل هناك هاجس يلحّ عليّ بأن أتأكد من هويته وهل هو حقاً أم شخص يشبه .. ولم يكن احتمال أن يكون تّركياً خارج التوقعات لذلك اقتربت منه وسألته بأفضل تركية ممكنة لدي عن كونه تركياً أم سورياً ؟
تلفت حوله في دهشة ثم أجابني بأنه تركي .. اعتذرت منه وأخبرته بأنه يشبه أستاذي التاريخ في المدرسة كثيراً .. ضحك ضحكة خفيفة ثم لوح لي وابتعد.
خيبة كبيرة حقاً .. كنت أرجو أن يكون رابطاً حقيقياً بيني وبين بعض الماضي الذي كان في سوريا .. هذه أمور يعرف معناها المغتربون جيداً .. ولكن النهاية لم تكن كما أريد قط.
رحمك الله يا أستاذ حلمي سواء كنت حياً أو ميتاً.
الصحبة الدائمة
دائماً ما نتكلم عن كون الصداقة الحقيقية أمر نادر الوجود كالتبر وأن الأصدقاء قلائل جداً وقد لا تصادف أحداً منهم طوال حياتك.
هذا صحيح جداً ولكنها ليست النوع الوحيد من أنواع الصداقة بمعناها الحقيقي .. وأنا أقصد هنا العلاقة القلبية التي تربط الانسان مع خالقه.
قد تجد أن هذا الأمر مختلف عن الصداقة التي تتطلب لكي تكون قدراً ما من التكافؤ وهذا يستحيل حدوثه بين خالق ومخلوق.
لكني أتكلم هنا عن علاقة تفوق الوصف .. علاقة تحتاج لفترة قد تطول ولحكمة ولفهم عميق حتى تكتشفها .. وفي المقام الأول تحتاج لمستوى كبير من الايمان.
هذه العلاقة ولنطلق عليها الصحبة الدائمة هي أفضل بمراحل من الصداقة البشرية لأسباب كثيرة
الصحبة مع الله علاقة ثابتة أما الصحبة مع البشر فمتغيرة وقد تصاحب شخصاً ما لسنوات طويلة ثم لا يبقى بجانبك لأسباب كثيرة أما الصحبة مع الله فمستقرة وحتى في اليوم الذي ستموت فيه وتبتعد عن الجميع ستكون قد ازددت قرباً منه.
ولو نظرت للصحبة مع الله من باب المصالح لوجدت نفسك الرابح لأن الناس تكون حولك غالباً لمصلحة ما مهما كان نوعها وفي لحظة ما ستكتشف أن ذلك الصديق الذي كنت تعده قريباً جداً منك هو كذلك لوجود مصلحة معينة معك وسيختفي سريعاً في حال انتهائها .. بينما الفوائد التي ستأتيك بالصحبة مع الله كبيرة جداً وهو سبحانه لن يتركك ما دمت لم تتركه وأحياناً لحكمة ما لا يتركك حتى اذا تركته فيكون معك حتى في أوقات غفلتك عنه.
الصحبة مع الله تعطيك اطمئناناً لا يوصف بعكس صحبة البشر التي لا تخلو من لحظة غدر ما قد تصيبك بأذى لن تنساه طوال حياتك .. صحبة الله مفتاح أمان لأنه سيدافع عنك ويحميك من الكثير من الأمور التي عرفتها والتي لم تعرفها.
وأنت الرابح في النهاية لو فعلت شيئاً تجاه ذلك ….
…..
في المرة القادمة سأقدم لك قصة طال الوقت عليها وصار من اللازم أن أنشر أول جزء منها على الأقل.
هذا كل مالديّ الآن.
الأوقات السعيدة عادة ما تنتهي بسرعة.
سعدت بلقاءك اليوم وأنتظر زياراتك دائماً.
الى لقاء آخر.
يسعدني أن قطك توم عاد بسلام إلى البيت. خروجه بهذه الطريقة يسبب القلق، ربما يجب أن تفعل شيئًا بهذا الخصوص.
أنتظر القصة التي قلت أنه يجب نشرها.
القطط فضولية بطبعها وتحب الاستكشاف وحرية الحركة ولكن المدن خطرة وغير مناسبة لها للأسف .. الشيء الوحيد الذي أستطيع فعله هو منعه من الخروج قدر المستطاع .. هذا حل غير عملي ولكني لا أملك غيره
سأحاول أن لا أتاخر في نشر الجزء الأول منها على الأقل .. شكراً على متابعتك وتعليقك معاذ