الصورة من تخيّليّ بواسطة موقع DALL·E

نزلتُ من البيت في الصباح ﻷلتقي أحد اﻷصدقاء ورأيت من بعيد .. كما يحدث غالباً .. الباص الملائم لمشواري يمر من أمامي ويمضي من دون أن أتمكن من ركوبه.

اليوم إجازة وحركة الباصات قليلة لذلك قررت الصعود في أول باص يمر وكان نصيبي باص يوصلني لنقطة بعيدة نوعاً عن المكان الذي أنوي الوصول إليه، كان الوقت مبكراً على الموعد لذلك أكملت الطريق سيراً على اﻷقدام خلال الشوارع والمباني القديمة في وسط المدينة، الشوارع شبه الخالية والمحلات المقفل معظمها تعطي نوعاً من الراحة والتركيز أثناء المشي.

مررت بزقاق لمحت فيه من خلال طرف عيني بعض التفاصيل الجميلة .. نافذة عليها ورد وزاوية سطوع جميلة للشمس، لكن للأسف أخذت قرار التصوير بعد أن قطعت المكان بمسافة معقولة .. التصوير يحتاج الى تمهل .. لذلك لم ألتقط صورة للأسف، قد أمرُّ بعد فترة ضمن نفس المكان ولكن من يضمن أن يبقى المشهد كما رأيته !؟.

الشوارع شبه الخالية والمحلات المقفلة والهواء المنعش .. يوم إجازة خريفي بامتياز.

أطلسّ

أكثر اﻷشياء التي كانت تشدّ انتباهي دائماً منذ أن كنت طفلاً كانت الكتب، وكان بيت جديّ ﻷمي يحتوي على العديد منها ومن ضمنها نسخ قرآن عديدة منها الجديد .. بمقاييس تلك اﻷيام .. ومنها القديم ذو اﻷوراق الصفراء، أذكر .. ولست متأكداً .. أن جدتيّ كانت تملك مصحفاً مكتوباً منسوخاً بخط اليد، لم أكن متأكداً من ذلك ولكني متأكد من أنني كنتُ أمتلك صفحة قرآن قديمة جداً مكتوبة بخط اليّد على طرفها مكتوب بداية سورة المزمل، حصلت عليها من صديقي اﻷرمنيّ الذي قال لي وهو يعطيني إياها كهدية أنها كانت من ضمن مقتنيات جدّته.

كانت الورقة قديمة جداً ومهترأة من أطرافها فخفت عليها من مزيد من ذلك فوضعتها ضمن جلد شفاف واحتفظت فيها لسنوات في درجيّ الخاص حتى خرجت من المنزل وفُقدت من ضمن أشياء كثيرة بعد حملات السرقة التي تعرض لها منزلي في حلب.

من بين الكتبُ الموجودة عند بيت جديّ كان هناك أطلسّ أخضر سميك من ممتلكات خاليّ وكنت أحب كثيراً رؤية الصور الكثيرة التي يحتويها ولكني كنت ممنوعاً من لمسه إلا تحت إشرافه خوفاً عليه من التلفّ، وأظن أنني تعلمت المحافظة على الكتب من خلال تلك التعليمات الصارمة التي كان يقولها لي في كل مرة يعطيني فيها كتاباً ما ﻷتفرج عليه أو أقرأه.

اﻷطلسّ كان يحوي معلومات وصور وخرائط كثيرة لكل جزء من العالم، تلك المعلومات التي كنت أقرأها وأنا واثق من صحتها أو على اﻷقل واثق من أني سأجدها نفسها من دون تغيير أيّ حرف بها بعكس ما يحدث هذه اﻷيام على الانترنت الذي صرنا نأخذ أغلب معلوماتنا منه مع أنه من السهل جداً تغيير أي شيء موضوع فيها في أي وقت فضلاً عن إمكانية أن يقوم شخص ما بمحوه أو إخفاءه.

الكتب عادلة دائماً بهذا الصدد، ما دام الحبر قد جفّ فلا مجال لعمل أيّ تغيير من دون أن يكون ملحوظاً بشدة، لكن من يضمن أن تجريّ اﻷمور هكذا على الانترنت !؟؟.

مشروع علبة برينجلز

من تصويري

أحبُ القطط وأعتقد أنها من أكبر ضحايا زحف أسلوب حياة المدن المستمر وإزالته ملامح الحياة الطبيعية التي تحوي مكاناً لكل مخلوق حيّ بعكس المباني والشوارع المصنوعة من الحجارة والاسمنت لذلك صارت حياة بقية الكائنات الحيّة عبارة عن محاولات يومية للبقاء على قيد الحياة وللقطط نصيب وافر من أسلوب الحياة عديم الرحمة هذا.

تعودت منذ فترة على أن أحمل في حقيبتي كيساً فيه مقرمشات قطط لكي أضع بعضاً منها أمام كل قط أصادفه أثناء ذهابي أو عودتي من العمل، لكن إخراج الكيس البلاستيكي من الحقيبة ومحاولة فتحه ومن ثم إغلاقه وإعادته أمر غير عمليّ بالمرة لذلك فكرت بطريقة أكثر سرعة وعملية حتى دلتني ابنتي الكبرى على فكرة بسيطة : شراء علبة برينجلز .. وأكل ما فيها أولاً 🙂 .. ثم ملئها بالمقرمشات ومن ثم أصبحت عملية الاحتفاظ بالعلبة داخل الحقيبة ومن ثم اطعام القطط أكثر بساطة وسهولة من قبل، وأصبحتُ أملكُ دافعاً أقوى ﻷن تلك العادة أصبحت بعد وجود علبة البرينجلز أكثر أناقة بالنسبة لي.

مرة كنت على وشك الدخول على المبنى الذي يضم بيتي عندما شاهدت فتيات يداعبن قطة صغيرة كانت تموء محاولة البحث عن شيء ما قابل للأكل، توقفت وأخرجت العلبة ووضعت بعض المقرمشات أمام القطة التي أخذت تلتهمها وهي تموء بصوت عال بينما كانت الفتيات يتأملن المشهد بانبهار، ومن يدري قد يتحدثنّ مع صديقاتهن وعائلتهن عن ذلك الذي أخرج من حقيبته علبة برينجلز مملؤة بمقرمشات القطط وأطعم القطة الصغيرة، قد تتحول القصة الى أسطورة مدنية أيضاً :).

لذلك يا صديقي لكي تدخل أنت أيضاً ضمن تلك اﻷسطورة .. ما رأيك أن تقوم بشيء مماثل؟؟ علبة برينجلز مملؤة بأرخص نوع تجده من مقرمشات القطط وأنا واثق من أنه سيكون أنظف بكثير مما تأكله القطط من حاويات القمامة، لن يكلفك اﻷمر الكثير وستشعر بفوائد نفسية كبيرة تجاه فعل الخير هذا، يكفيك الثواب الذي ستجده في يوم أنت أحوج فيه ﻷبسط قدر ممكن منه، مثقال ذرة من مقرمشة أكلها قط صغير جائع.

نحن أحياء عندما لا نهدأ

قرأت هذه العبارة ضمن ترجمة لكلام أحد الضباط المنشقين من الجيش اﻹيراني، للدقة جيش النظام اﻹيراني.

لا أعرف إن كانت ترجمة دقيقة أو للمعنى العام ولكن العبارة شدتنيّ بشدةّ.

نحن أحياء عندما لا نهدأ ..

تعبير صائب جداً وأنا أعتنق هذا المبدأ منذ سنوات ﻷن أحد معاني الهدوء هو المحافظة على الوضع الراهن الشخصي باعتباره هو أفضل النسخ الممكنة لذلك الواقع وأن المكتسبات الفعلية هي أضمن من احتمال قدوم واقع آخر لا مكتسبات فيه، هذا أسلوب تفكير مورفيني نتيجته الوحيدة هي الاستكانة والرضا بالقليل مخافة فقدانه عند أي حركة زائدة.

نحن أحياء عندما لا نهدأ ..

لأننا عندما نهدأ ستضيع حقوقنا لأننا لن نطالب بها وسيشعر اللصوص .. وما أكثر أنواعهم .. بالأمان لأنه لا احتمالات مخيفة بأن يقاوم شخص ما ما يفعلونه من أخذ حقوق من حولهم وصبّها على أنفسهم وعلى تابعيهم.

نحن كبشر مخلوقون لكي لا نهدأ ولكي نكون بحالة سعيّ دائم نحو اﻷفضل لنا من دون أن نتسبب بأي ظلم ﻷحد، ذلك الظلم الذي سيحدث لا محالة لنا لو انتقلنا من حالة السعيّ لحالة السكون.

السعيّ وعدم الهدوء هما من يكفلان لك حقوقك ومكتسباتك، لو رضيت بمكانك في العمل ولم تبحث عن اﻷفضل في مكان آخر سيأتي يوم ستفقد فيه عملك هذا.

لو رضيت بما تملكه من عِلم سيأتي يوم لن يفيدك ذلك العلم بشيء، السكون هو تراجع حتمي ﻷن الدنيا تمضي للأمام ويمضي معها الكثير من الناس الذين استوعبوا مصير من يهدأ ويرضى بمكاسب نسبية ستمضي مع الزمن.

نحن أحياء عندما لا نهدأ … فلا تهدأ.