مرحباً بك يا صديقي …
طال غيابي هذه المرة وأنا لست مرتاحاً لذلك لأن علاقتي بالكتابة المنتظمة الوحيدة هي مع هذه المدونة .. تدوينة بالأسبوع أمر لا بأس به لمن لا يجد وقتاً يومياً للكتابة .. النصائح بهذا الصدد كثيرة ولكن الواقع لا يكون متصالحاً في الغالب مع إمكانية تحقيق هذه العادة .. عادة الكتابة اليومية ..
المحاولة حق مشروع ولكن النتائج غير مضمونة.
أيام كئيبة جداً نعيشها بأجواء كابوسية حيث أصبح القتل الفج كثير الشهود والخال من طبقات الكذب اللامعة هو السائد هذه الأيام ..
ببطء يكتشف المواطن الغربي أن ما كان يعتقده من مفاهيم الشعب الحر والديمقراطية وما شابه هي في الحقيقة حديقة خلفية وضعت له لكي يشعر بالايجابية لا أكثر والويل له إن حاول الاقتراب من تلك الأمامية أو ظن أنها له .. هناك من حاول واكتشف أشياء غير سارة وتغيرت بعدها قناعاته للأبد.
أما بالنسبة لنا فأننا ذاهبون الى التفسخ الاجتماعي بالنسبة لمن بقي في بلده .. والى الانقراض لمن هرب منها والهرب له أسباب مختلفة … واذا كانت هناك فرص إيجابية لتغير الأوضاع في المستقبل فهي بيد الله وحده.
أسف إذا كان هذا محبطاً ولكنها الحقيقة وهي لا تعبئ بالمشاعر للأسف.
مرحباً بك مرة أخرى.
عندما كانت الجرائد حولنا
في سنوات وعيي الأولى كانت الجرائد أحد مصادر البهجة بالنسبة لي .. وسأخبرك بالسبب قبل أن تتأملني بتلك النظرة إياها.
كانت رائحة الجرائد مميزة .. تلك الرائحة الكيميائية بجودة أقل من رائحة الكتب ولكنها مازالت تذكرك بالورق المطبوع .. الرائحة المعبرة عن الكلمات المتقاطعة وكلمة السر وتلك الهوامش التي كنا نرسم عليها رسوماً عشوائية أو نكرر كلمة معينة لعل خطنا يصبح أجمل .. ناهيك عن الصور التي كنا نرسم فوقها انطباعاتنا التي لم تكن قابلة دائماً للنشر لدرجة أن حرقها كان فعلاً محقاً مهما رأيته مبالغاً به.
ولا ننسى أيضاً استعمالها للتنظيف .. ورق الجرائد ملمع زجاج ممتاز وحيلة لا بأس بها لكي يكون وسيطاً يمتص الزيوت في حال سيلانها على الأسطح والأرفف.
الخبر المطبوع على الجريدة كان يمتلك حضوراً مادياً صعب الازالة بخلاف أخبار المواقع الالكترونية القابلة للمحو والتعديل بضغطة زر .. مساحة الخبر موجودة كلها أمامك مهما كان طويلاً ولا يحتاج لايماءات من أصابعك أو تمرير عجلة الفأرة لترى نهايته.
كانت الأخبار محدودة بكمية ووقت نشر معين وليست بحالة نشر متواصل كما يحدث هذه الأيام لدرجة تصيبك بتخمة عقلية لو حاولت متابعتها .. ستكون التخمة أقل ما سيصيبك لو فكرت بذلك.
هل كانت الأمور أفضل مع الخبر الورقي المنشور على الجرائد ؟ .. ليس بالضبط .. هناك سلبيات أيضاً وقوالب نشر جعلت الناس تزهد في قراءة أغلب الجرائد لتتجه بشكل مباشر نحو صفحات التسلية .. الحكومات تريد أن توصل معلومات محددة للناس وتعطيهم إيحاءات بأن الأمور جيدة بالمطلق والناس لا تعبئ بكل هذا وتريد الهروب فقط ولا شيء سوى ذلك.
يمين …. شمال
أستعمل المترو بشكل شبه اليومي في الصباح والمساء للتنقل ما بين المنزل ومكان عملي .. المترو الذي حلّ بعض المشاكل المتعلقة باللف والدوران والزحام والحر وروائح العرق التي كنت أخوض بها مرغماً بشكل يومي في باصات النقل العام.
طريق مستقيم سريع ومقاعد كثيرة وتكييف … ماهو المطلوب أكثر من ذلك من وسيلة نقل !؟
ولأن المتاعب تبقى موجودة بشكل ما والحياة ليست وردية .. لا أفهم ما هي ميزة أن تكون وردية !!؟ .. هناك لحظة ما تكتشف فيها أن التفاصيل الصغيرة التي قد لا تستغرق سوى بضع ثوان تكون مزعجة فعلاً.
وأنا أتحدث هنا تحديداً عن تلك اللحظة التي تقرر فيها النزول وتقف أمام الباب الذي سيفتح بشكل أوتوماتيكي .. الدخول والخروج من المترو له قاعدة أراها بسيطة جداً .. قف على يمين الباب دائماً وانتظر لحظة فتحه وادخل أو اخرج مع مراعاة دورك.
قاعدة بسيطة كما ترى ولكني لا أعرف ماهي الظروف التي جعلت تطبيقها صعب جداً عند كمّ لا بأس به من البشر .. ستكتشف ذلك عندما تهمّ في الخروج لتجد شخصاً في مواجهتك تماماً يهمّ أيضاً ولكن في الدخول .. ولأن القوانين الفيزيائية تمنع أن تلتقي خلاياك وخلاياه في مكان واحد فلا توجد طريقة في أن يحدث الأمرين معاً .. خروجك ودخوله ..
لاحظ أنك ملتزم فعلاً بقاعدة اليمين بعكسه هو .. ولكن هذه مشكلتك أنت وليست مشكلته طبعاً .. ومن يدري فقد تكون أنت المخطئ والأمور لا تسير كما تتخيل .. ولعلك وقعت في عالم موازي معكوس .. لذلك تتنهد وتتجه نحو اليسار لتكتشف أن هناك زملاء لك من عالم موازي آخر يحاولون الدخول فعلاً من هذه الجهة !؟
هل تظن يا صديقي أن الأمر هيناً ولا يستحق التكلم عنه !؟ .. جرب إذن أن تخرج من باب المترو من دون أن يصطدم بك الناس ومن دون أن ينظر لك أحدهم بتأفف مستغرباً من جرأتك في الخروج من الباب الذي يدخل منه بالذات .. كان متأكداً من أن الدنيا قد خلت من الحياء وها أنت ذا تعطيه دليلاً إضافياً.
أما أنا فأتبع سياسة بسيطة في معالجة الأمر .. سياسة الصدمة الخاطفة .. الحكاية بسيطة .. تجاهل كل شيء وامض قدماً .. واذا وقف أحد أمامك ادفعه في ثقة ورفق .. سيصاب بالارتباك لثوان كافية لكي تبتعد ويبتعد معك احتمال أي شجار.
أسميها رقصة التانقو عزيزي، تلك التي تحاول فيها المرور يمنة ويسرة، عبثًا!
استمر في التدوين 🙂
الرقصة اليومية للأسف 🙂
ما افتقده في الصحف هو ما ذكرته، محدودية المساحة وهذا يعني حد لما يمكن أن يقرأه الفرد، وقد كان من الطبيعي أن يقرأ شخصان أو أكثر الصحف في نفس الوقت ويكون هناك نقاش حول الأخبار والمقالات، أحياناً يكون هناك كاتب مقال نتطلع لقراءة ما يكتبه في ذلك اليوم أو الأسبوع.
في الإمارات كانت لنا تجربة مميزة مع جريدة الاتحاد، كانت هناك صفحة تسمى “رأي الناس” وقد كانت مكاناً لنشر مقالات الناس، اتسعت لتصبح صفحتان ثم أصبحت ملحق لفترة قصيرة، كان هذا منتدى الناس قبل منتديات الشبكة وقد شاركت هناك بمقالات عديدة، عملية المشاركة تتطلب كتابة المقال وطباعته ثم إرساله بأي وسيلة، استخدمت الفاكس لفترة ومرة أوصلت المقال بنفسي لمقر الصحيفة لأنني كنت سألتقي بمحرر الصفحة، ثم انتقلنا للبريد الإلكتروني، كل يوم أفتح الصحيفة وأذهب مباشرة لرأي الناس لكي أرى إن نشرت مقالتي أم لا، أحياناً رسام الصحيفة يضيف رسمة للمقالات وأكون سعيداً عندما يختار مقالتي لذلك.
تبقى حقيقة أن وسائل الإعلام في بلداننا مملوكة للحكومة أو لا يمكنها أن تتحدث بحرية تامة، الإعلام التجاري مرتبط بالإعلانات والرعاية، لذلك النموذج الإعلامي الجيد في رأيي سيكون مؤسسة مثل BBC أو NHK في اليابان، تمويلها يعتمد على الضريبة وليس الإعلانات وفي حالة اليابان دعم جزئي من الحكومة، هذا بالطبع لا يضمن المصداقية والحرية التامة، لكن في رأيي أفضل من الإعلام الحكومي والتجاري.
نعم أتذكر تلك الأيام الماضية حين كان الناس يرسلون مقالات ومساهمات وتنشر في الصحف .. الآن في المحيط الشبكي لم يعد يحدث ذلك ومع أن إمكانية نشر أي شيء أصبحت متاحة ولكن الأشياء الجيدة لا تظهر من كثرة التفاهات ولأن الاختيار يتم على معايير لا تتضمن الجودة غالباً ناهيك عن أن من يختار يلزمه إعادة اختيار هو الآخر.
أعتقد أن الزحام هو السبب .. الانترنت المركزي قضى على تلك الأنشطة المحلية بكافة أنواعها وحول الأمر لحلبة من الصراخ ومحبي الأمور الشمال للأسف وبقية الأشياء المفيدة على الهامش.
مازلت أشتري الجرائد الورقية ولدي أقارب يعملون صحفيين ، أحدهم يعمل في جريدة تسمى مواطنون وهي جريدة حزبية تنشر على عدد محدود …المجلات المطبوعة و الجرائد مازالت جزءا من مشترياتي…لدي صديق يعمل في وزارة التكوين المهني وظيفته قراءة كل المنشورات الورقية وحق الرد وظيفته تسمى مكلف بالإعلام ، كذلك إذا كتبت جريدة مقالا يكتب حق الرد …
هذا جميل وهكذا مازلت تجرب ذلك الشعور القديم بانتظار المطبوعات وتسلل رائحة الورق المطبوع الطازج الى عقلك 🙂