الصورة من تأليفي بواسطة Adobe Firefly

مرحباً بك يا صديقي

لم أكتب تدوينة ما خلال السبت والأحد الماضيين .. كان عندي امتحان لدورة لغة انجليزية وكنت أدرس له وأخذ معظم وقتي. تطورت لغتي الانجليزية بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية والحمد لله وأغلب هذا التطور جاء من خلال الدراسة الذاتية والاستماع الى المقاطع الصوتية .. ومن خلال تجربتي وبعيداً عن أسلوب نصائح اليوتيوبرات أقول لك ببساطة إن الأمر يحتاج الى وقت محدد وفق استطاعتك والى .. وهذا الأهم .. المثابرة والمتابعة .. وستجد فرقاً كبيراً في وقت ما.

الواقع أن هذا ينطبق على أي شيء تتعلمه .. أعطه وقتاً كافياً لكي يتشربه عقلك ولا تتعجل .. العجلة تفسد كل شيء والقضية ليست متعلقة بكلمتين تحفظهما لقضاء امتحان ما ثم ترميهما جانباً.

هذا الزمن زمن التعلم المستمر لأن سوق العمل لم يعد ذلك السوق المستقر الذي تستطيع استكشاف دهاليزه وتأمين مكان ما لنفسك من خلال قوالب جاهزة مسبقاً .. الاستقرار نفسه غادر الأجواء منذ زمن طويل ولم يعد يراه أحد بعد ذلك.

هذا زمن لن يسعك أن تكف فيه عن اللهاث فقط لكي تحافظ على أسلوب حياتك .. القطار الموشك على الرحيل وتركك واقفاً خلفه بلا أمل .. وكلما نزلت منه الى مكان ما تكتشف أنه مجرد محطة وأن عليك الصعود مرة أخرى … لعل هناك مرة قادمة تعثر فيها على بوابة الخروج.

مرحباً بك مرة أخرى ..

الأضواء التي انطفئت بسرعة

بيني وبينك .. لم أكن أرغب بالكتابة عن زلزال شباط فقد كتبت تجربتي الكاملة عنه في جزئين في بادئ الأمر ثم في تدوينة مستقلة فيما بعد .. كتبت عنه ما يكفي ولا أعتقد أني أريد الكتابة أكثر.

ولكني شعرت بعد ذلك بأن الذكرى الأولى له والتي تمر اليوم لها من الرهبة ما يكفي لكي تدفعني لعدم تجاهلها، هذا التجاهل الذي تعمدت ممارسته في أي مكان آخر عدا المدونة، فلم أنشر شيئاً في حالات الواتس أب أو غيرها لأن ذلك سيعني أمرين :

إما أن أكرر نشر صور كررها غيري باستمرار طوال اليوم أو أن أكتب كلاماً موزوناً مقفى أو كلاماً تتساقط منه الحكمة التي لم يستعملها أحد حتى صاحب الكلمات نفسه.

بالنسبة لي لم أكف طوال البارحة واليوم على التفكير بما كنت أفعل في نفس اليوم من السنة الماضية .. أشعر بالبرد تارة من ثيابي المبللة وتارة بالخوف من المجهول على مصير المبنى الذي يقع فيه بيتي .. المبنى الذي كنت أقف على مسافة أمتار منه أتأمله من خلال زجاج نافذة المدرسة التي أقمنا بها أربعة أيام قبل أن أغادر المدينة كلها وأقيم لخمسة أشهر في منطقة أخرى.

خمسة أشهر حصلت فيها أشياء وأشياء وتغيّرت ملامح عديدة من حياتي ومن قناعاتي وحتى حالتي الصحية لم تسلم من التغيير ولكن للأفضل والحمد لله.

لم أتوقف أيضاً عن التفكير بالمجهولين الذين لا أعرفهم .. وما أكثرهم .. الذين ناموا على أن هناك يوم جديد قادم .. يوم لم يأتي لهم قط .. ولا يغيب عن ذهني قط مشهد المباني التي تقع على ساكنيها .. المباني التي أُنيّرت عدة غرف منها قبل ثواني من انهيارها .. هناك من أنار النور ليفهم ما يجري ولم يكفيه الوقت لذلك .. مشهد كابوسي سيظل في ذاكرتي لمدة طويلة .. ربما الى اللحظة التي ستتوقف فيها عن العمل.

مراسلات الأخوين أمين

بدأت منذ الشهر الماضي بقراءة كتاب ” أخي العزيز : مراسلات حسين وجلال أمين ” … الكتاب متوفر على تطبيق أبجد وهذا ساعدني كثيراً على القراءة بحيث كنت أختلس وقت جلوسي في المواصلات لكي أواصل قراءته .. الواقع أني لم أكمل قراءته بعد ولكني أعتقد أني قرأت ما يكفي لكي أكتب عنه بضعة أشياء وسأعود للكتابة عنه من جديد إن رأيت ما يستحق.

الكتاب أشبه بسيرة ذاتية جماعية مكتوبة عن طريق تلك المراسلات التي جرت بين حسين أمين وأخوه جلال .. المراسلات تغطي خمسينات القرن العشرين أثناء فترة سفر الأول الى بريطانيا ومن ثم عودته ومن بعدها سفر جلال الى بريطانيا هو الآخر .. هناك جزء آخر من الكتاب ربما يغطي أماكن وأزمنة أخرى.

الكتاب كما ذكرت مؤلف من رسائل جمعها ابن أخيهم صلاح وأعتقد أنه قد مارس رقابة معينة على مضمون الرسائل لأنك تشعر بنقص ما في الأحداث خلال قراءتك للرسائل .. لكن هذا لم يؤثر على جمال الكتاب وخصوصاً وأنت تراقب لغة حسين التي كانت في الرسائل الأولى بسيطة وتحوي أخطاء نحوية وتعبيرات عامية لتتطور الى لغة أفضل بمراحل.

ولأن الرسائل آتيت من زمان بعيد كانت فيها أخبار غير اعتيادية .. فمرة يخبر جلال أخاه حسين بأن هناك كاتب جديد اسمه مصطفى محمود قد ظهر في عالم الكتابة وأنه يتأمل منه خيراً .. ومرة يخبر حسين أخاه جلال بأن مذيعاً شاباً اسمه محمود مرسي قد التحق بالعمل معه في اذاعة BBC العربية.

أسلوب حسين في سرد الأحداث كان عاطفياً وأكثر حرارة من جلال .. حسين كان منغمساً في الحياة ببريطانيا أكثر بمراحل من جلال لذلك كنت أشعر بالعجب من كلمات حسين وأنا لدي فضول كبير لاكمال الكتاب لعلي أفهم كيف تحول هذا الشاب الذي يعيش حياة خالية من التفاصيل الدينية ليكتب بعدها ” دليل المسلم الحزين “.

كتاب مسلي وأنصحك به لو كنت تحب قراءة رسائل بريد أيام زمان .. ليست أي رسائل بريد .. رسائل كتبها اثنان من الكتّاب الكبار المنتمين الى عائلة ثقافية بامتياز .. تلك العائلات التي انقرضت في هذا الزمان للأسف.