مرحباً بك يا صديقي …..
نزلت في أول أيام رمضان نحو السوق القديم في غازي عنتاب وقضيت وقتاً في السير هناك ومراقبة الأحوال والناس .. وأنا نزلت حقاً لأن منطقة بيتي هي أعلى من منطقة السوق 🙂 بغض النظر أن هذا التعبير مستعمل في اللهجات الدارجة ولا يعكس الدقة الجغرافية في أوقات عديدة.
الطرق الضيقة الى حد ما كانت هادئة قليلة البشر وعدد السيارات المارة في الطريق الذي يتسع لرتل واحد قليل .. الدنيا هادئة ذلك الهدوء الجميل المريح للأعصاب.
ومن حين لآخر تتسلل الى أنفاسي روائح مخبوزات زكية لا تشمّها إلا في رمضان .. وأنا لا أعلم حقاً إن كان التوق الى الطعام هو السبب أم أن الجمال يفرض نفسه على الخياشيم والقلوب .. بكل الأحوال هذا لا يفسد للزكاوة قضية 🙂
مشاهد تمر سريعاً أمامك وأخرى تحتاج الى تفكير وتأملات .. تشعر بأن الشخصيات الثابتة في المكان قد اكتسبت طابعاً جعلها جزءاً أصيلاً من المشهد خصوصاً أولئك الباعة الذين كبروا وشاخوا في محلاتهم ولو مررت من محل خال من صاحبه ستشعر كأنك رأيت فاترينة خالية من أطباقها وكؤوسها المذهّبة.
وأنا كنت بحاجة لهذه النزلة كنوع من ممارسة عادة قديمة يومية كنت أقوم بها هناك في حلب في أيام خوالي تبتعد ذكراها مع الوقت .. كنت أعمل في ذلك الزمن في مكتب في المدينة القديمة وكان طريق الذهاب والعودة طويلاً لذلك كان السير عبر الدكاكين والأحياء القديمة .. الأثرية لمزيد من الدقة .. جزءاً أساسياً من يومي.
تمر الأيام وتتغير تفاصيل الحياة لأقدار وأشكال محيّرة .. والنفس لا تخلو من ملامح خافتة لذلك الزمن القديم
مرحباً بك مرة أخرى ….
عن ألعاب الحاسب القديمة
بدأ الأستاذ عبد الله المهيري كتابة عدة مقالات في نشرة أها! .. المقالات تتحدث عن بعض الألعاب القديمة التي كانت لها أيامها خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي .. الألعاب التي بدأت تخرج من الأشرطة لتنتقل الى الأقراص المرنة والليزرية لتدخل بعدها عصر الاحتكار وعدم تملّك مشتريها لها رغم دفعه قيمتها كاملاً.
المقالات مسلية حقاً وعبد الله المهيري .. مع حفظ اللقب .. يعرف تماماً عن ماذا يكتب لأنه جربه في ذلك الزمن لذلك هو لا يكتب تاريخ تلك الألعاب فقط بل تاريخه الشخصي معها .. الواقع أنه يكتب أيضاً جزءاً من التاريخ الشخصي لكل من امتلك حاسباً خلال فترة التسعينات الفترة الساحرة حاسوبياً والمليئة بالتفاصيل الجميلة .. الفترة التي لم تكن قد امتدت لها يد التعود وأولئك الذين أعطوا لأنفسهم الحق بتقرير طرق التقنية السالكة.
تحدث عبد الله ضمن مقالاته عن لعبة دوم التي كان لها طنة ورنة كبيرين ويكاد لا يخلو جهاز حاسب منها في ذلك الزمن .. وأنا لعبت هذه اللعبة لعدة مرات وقتها ولكني لم أحبها بسبب أنها صورت لي عالماً غير مألوف بالكامل ولا توجد فيه لمسة بشرية سوى المقاتل الذي لم أكن أرى سوى يده وسلاحه.
هذا الأمر جعلني أفضل أكثر لعبة أخرى وهي Duke Nukem اللعبة التي تصور غزواً فضائياً على الأرض وبطلاً أمريكياً .. كالعادة .. وقع عليه شخصياً عبء التخلص من هذا الغزو .. اللعبة لا تختلف عن دوم سوى أن الأماكن بشرية أكثر ولكن ما يعيبها هو تلك الصور المنتشرة في كل مكان في اللعبة وبعض المراحل التي بداخل الملاهي الليلية ولو كنت أكثر وعياً لتجنبتها وذهبت الى بدائل أخرى .. عموماً كانت تجربة سريعة انتقلت بعدها الى عالم لارا كروفت و ماكس بن.
أعود وأقول .. لم تكن تلك مجرد ألعاب لقضاء بعض الوقت في تجربة شيء مختلف فقط بل كانت أحد تفاصيل مرحلة لا أستطيع سوى الشعور بالحنين عند تذكرها لأسباب مختلفة .. الأنظمة والبرامج والألعاب القديمة التي أسست لطريقة نظرتنا وتعاملنا مع التقنية .. نحن جيل الثمانينات وما حوله .. بطريقة مختلفة عن الأجيال الأخرى.
رسائل الأخوين أمين
أعود مرة أخرى للحديث عن كتاب أخي العزيز : مراسلات حسين وجلال أمين بعد أن أوشكت على الانتهاء من جزءه الأول .. الكتاب كما أسلفت يغطي المراسلات بين الأخوين حسين وجلال أمين خلال فترة خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي .. المراسلات مليئة بالمعلومات والأمور التي تدفعك الى التأمل والتفكير والملاحظة بخصوص التطور الكبير الذي حصل في أسلوب كتابتهم وتفكيرهم على مر السنين وأيضاً الاختلاف بين طريقة تفكير حسين العاطفية وتفكير جلال الذي كان أكثر عملية.
طبعاً لا تخلو الأمور من النواحي السلبية وأبرزها تلك النظرة المتعالية على أمور عديدة كالدين مثلاً وأعتقد أن سبب ذلك يعود لاقتناعهم .. ومثلهم كثيرين .. أن التحصيل العلمي المكتسب يعطيهم كامل المعرفة والحق بأن يتكلموا وينتقدوا جميع نواحي الحياة وكأنهم .. مثلما يقال .. قد اكتشفوا سر الأسرار وامتلكوا مسطرة طويلة يستطيعون فيها القياس والحكم على أي شيء بشكل نهائي وقطعي.
بأغلب الأحوال تأتي سنوات النضج لاحقاً .. إن أتت حقاً .. لتجعل الأمور أفضل.
الكتاب .. عدا ذلك .. مفيد جداً ويؤرخ لتفاصيل ليست متاحة بسهولة كزيارة جلال لبرلين المحتلة من الحلفاء قبل بناء سور برلين وتحدثه باسهاب عن الفروق في الحياة بين شرقها وغربها إضافة الى أحاديثهم التي لا تنتهي حول حياتهم في انجلترا وطبائع الناس هناك.
هناك مقارنة كتب عنها جلال حول الفروقات بين البائع في ايطاليا الذي يلحّ على زبائنه ويتركهم ليقّلبوا بضاعته بكل حرية وبين البائع في انجلترا الذي قد يطرد المشتري لو تجرأ ومد يده على بضاعته وعلاقة الجمهور مع الفنان والفنان مع الجمهور في كل من مصر .. كممثل عن الواقع العربي .. وبين ما هو موجود في انجلترا .. وكانت النتيجة أن الفروقات تتعلق بأولوية صاحب المال عن المواطنين بالحالة الأولى والمواطنين على أصحاب المال بحالة انجلترا.
مجرد لعبة قدم ..
تدور في أذهان لاعبي كرة القدم عند نزولهم الى أرض المباراة أفكار شتى من بينها أنه من الطبيعي أن يتعرضوا لاصابات جسدية ناتجة عن احتكاكهم مع لاعبي الفريق المنافس ومع الكرة نفسها وأيضاً لمراوغات الفريق المنافس ولاصابات نفسية ناتجة عن الشتائم والكلمات القاسية من جمهور الفريق المنافس .. هذه القناعات هي ما تسمح لهم بأن يلعبوا بتركيز ولا يسمحوا لتلك المؤثرات الخارجية بحرمانهم من الفوز بالمباراة ..
الأهداف هي من يحدد الفائز وليست الاصابات وشتائم الجمهور.
ولكننا لا نتعامل مع الحياة بنفس تلك الدرجة من التسامح ..
وأنا أقصد هنا أننا كبشر نمتلك قدراً ما من الغرور والاعتقادات الخفية التي تدفعنا للاعتقاد بأننا أذكى وأفضل وأكثر جدارة من أن نتعرض لأي مكروه أو خداع ما.
هذه الاعتقادات تدفعنا لاستقبال الصدمات في كل مرة وكأنها تجربتنا المريرة الأولى ونملأ بعدها الدنيا بالاحتجاجات والصراخ ..
الأمر مشابه لما يقال عن أن المشروبات الغازية لديها القدرة على ازالة التعود على النكهة من حليمات اللسان بحيث نستقبل طعمها في كل مرة على أنها المرة الأولى .. لا أعلم إن كان هذا صحيحاً ولكني متيقن من الضرر الذي تلحقه تلك المشروبات على صحتك وجيبك وعلى أرواح الكثيرين.
المشاكل والصعوبات في الدنيا حتمية وتلاحق الجميع والفرق الذي تستطيع احداثه يبدأ بطريقة استقبالك لها .. فكر في الأمر على أنه مجرد مباراة لكرة القدم .. الاصابات والمراوغات والشتائم تفاصيل طبيعية موجودة لا محالة .. والمهم بالنتيجة هو أن تربح اللعبة.
هذا كل مالديّ الآن.
الأوقات السعيدة عادة ما تنتهي بسرعة.
سعدت بلقاءك اليوم وأنتظر زياراتك دائماً.
الى لقاء آخر.
جميلة هي رائحة الخبز والمخبوزات، وكل العام وأنت بخير.
وأنت بخير يارب … نعم رائحة طيبة وطعمها لذيذ ولكن كثرت أكلها ندامة 🙂
في الأيام الماضية كنت أقرأ عن فكرة المشي في المدن وملاحظة تفاصيلها والكتابة عنها، وكذلك قرأت مقال لتشارلز ديكنز يصف فيه مشيه في لندن في الليل لأنه يعاني من الأرق، ابحث عن Psychogeography وستجد لها صفحة في ويكيبيديا، لم أفهم جيداً ما المعنى من هذا المصطلح لكن يثير اهتمامي والفكرة هنا المشي بدون هدف في المدن وملاحظة تفاصيل مختلفة.
هناك بعض الكتاب العرب وخصوصاً في مصر كتبوا بانبهار عن الغرب وعن التخلف العربي الذي ربطوه بالدين وكان حلهم التخلي عن الدين أو فصله كلياً عن الحياة ليكون شيئاً بين الفرد وربه وشيء يمارس في المساجد، هؤلاء في رأيي انهزموا داخلياً عندما قاسوا التطور بالتقنية والحياة المدنية في أوروبا، بعضهم عايشوا الاحتلال الأوروبي لبلدانهم ورأوا انهزام المجتمع العربي أمام التطور التقني الغربي.
هذه فترة ظهر فيها كتّاب كثر وأحب القراءة لهم مع اختلافي مع الكثير مما يكتبونه، نحن الآن في وضع مختلف ولا زالت بقايا من الاحتلال الغربي في الدول العربية وهناك بالطبع العدو الصهيوني، أود لو أعرف ما الذي سيكتبونه عن حاضرنا، وأتسائل كيف ستقرأ الأجيال المستقبلية عما كتبناه في أيامنا هذه.
دخلت لصفحة الويكيبيديا حول المصطلح … كنت أمارس شبيهاً بهذا خلال السنوات السابقة لكي أستطيع المشي من دون توهان بالمدن الجديدة عليّ من دون أن أضيع بشوارعها … الطريقة هي أن تسير بين الشوارع بشكل محسوب … قد تتوه قليلاً ولكن تعود بالنهاية لمكان حددت فيه بعض نقاط العلام كنوع من ملاحظة التفاصيل … هكذا ستستطيع التنقل وحفظ المسارات من دون أن تسأل أي شخص عن الأماكن.
نعم كان هناك فترة طغى فيها الربط بين الدين وبين التراجع الحضاري بشكل مقصود ولكن الوعي بهذه الضلالات أصبح أكبر بمراحل هذه الأيام والحمد لله … قد يكون السبب أن الشبكة قد جعلتنا نقترب منهم أكثر
أنا غير متفائل كثيراً بما سيكتب عنا … لكن أرجو من الله أن يكون القادم أفضل