أحاديث الشرفات 15

مرحباً بك يا صديقي

الجو حار بما فيه الكفاية لاجبارك على أن تقبع في أي مكان يحوي نسمات رحيمة .. وهي غالباً ستكون من خلال أجهزة التكييف التي أصبحت أحد الأشياء الافتراضية الطارئة التي لم تكن كذلك منذ سنوات مثلها مثل شبكة الانترنت التي كنا نستعملها للتسلية ولبعض الفوائد وانتهى بنا الأمر بأن باتت هي من تستعملنا.

الحرّ يدفعك للاسراع لأقرب محل بيع أدوات كهربائية لشراء المزيد من التكييف .. وأنا أفكر بوضع إحداها في غرفتي لولا طابور الأولويات الذي يحدق أفراده بك في حدة وحزم لو حاولت أن تضع في وجههم شيئاً ما لم يكن متواجداً من قبل .. سيحدث شجار حتماً كما لو كان دوراً يقف أمام مخبز .. إلا لو تعاملت بحنكة بحيث لا يشعر أحد الواقفين أنك أخللت بمبدأ الدور .. هذا يحدث دائماً حتى في أوروبا والدول المتحولة 🙂

أوقات للتفكير

مضى وقت لا بأس به منذ آخر مرة دونت فيها .. الحقيقة أنني توقفت عن العديد من العادات اليومية التعليمية وغيرها .. السبب المباشر كان وفاة أحد أصدقائي والذي تحدثت عنه في التدوينة السابقة .

لم يكن موته موتاً عادياً بالنسبة لي .. كان أشبه بأن تفقد تفصيلة أساسية من تفاصيل حياتك .. ملمحاً كان مجرد التفكير بوجوده يعطيك قدراً كبيراً من الراحة والسلام النفسي.

وكما غيّر زلزال تركيا من طريقة تفكيري ونظرتي للحياة كان لموته المفاجئ تأثيراً مشابهاً .. زلزال آخر ولكن على الصعيد الشخصي هذه المرة.

زلزال جعلني أدرك حقيقة أن كثرة الانشغال بالعمل على تحقيق أهداف مستقبلية هو نوع من العبث .. التفكير بأن أتعب الآن لأقطف نتيجة تعبي فيما بعد هو تفكير ناقص لأني لن أضمن أن أعيش لوقت الحصاد.

أنا لا أعني طبعاً أن يعيش الانسان من دون طموح أو السعي لاكتساب مهاراة جديدة .. لكن أن يأتي هذا على حساب الاستمتاع بالمكتسبات الفعلية فهذا سيفقدك القدرة على قطف حصيلة مكتسباتك الحالية بأن يملأ نفسك بالوعود والأماني التي هناك احتمال لا بأس به أن لا تتحقق قط.

ولا أخفيك أنني شعرت بالراحة عندما اقتنعت بهذه النتيجة .. لن أتوقف عن السعي للأفضل ولكن مع توزيع أفضل للوقت والتفكير بواقعية أكثر ..

غير ذلك سيكون الأمر أشبه بتلك التي سارت عبر حديقة ورود وهي تمنيّ نفسها بأن الورد القادم أفضل .. وكانت النتيجة بأنها لم تقطف أي وردة قط.

صديقي العنكبوت

عندما عدت الى المنزل وأضئت نور الحمام لاحظت أن هناك حركة سريعة تأتي من إحدى الزوايا هناك .. كانت الحركة صادرة من أحد العناكب الذي دفعته فترة الهدوء والظلام الطويلة بأن يأخذ ملكية تلك الزاوية ..

هكذا أحس بالحيرة والعصبية عندما غمره ذلك الضوء الذي لم يعهده من قبل.

زمان كانت معالجتي لهذا الأمر تتم عن طريق أقرب شبشب، لكن مع الزمن صرت أنظر الى وجود الحشرات بنظرة أكثر منطقية وخصوصاً فيما يتعلق بالعناكب .. ما دامت غير مؤذية وقابعة في زاوية ما فمن الأفضل تركها وشأنها.

وبالنسبة لمنظرها المخيف للكثيرين فلم أعد أراه مخيفاً .. نحن اكتسبنا هذه النظرة بالأساس من خلال أفلام الرعب وحتى لو وُجد عنكبوت جميل .. والكلمة هنا نسبية جداً .. سيبقى مخيفاً وقد نزداد خوفاً منه .. نحن بالنتيجة أعداء ما نجهل وما نجهله في هذه الدنيا كثير.

وأخذت مع الأيام أعتاد على وجوده بل وأتفقده لعله سأم الإقامة وذهب لمكان آخر .. لكن يبدو أنه اعتاد هو الآخر على وجودي ولم يعد ينزعج من دخولي المفاجئ المتكرر ..

هكذا مرت الحياة سعيدة هنيئة حتى عادت عائلتي من السفر واكتشفت ابنتي الصغرى وجوده فملأت الدنيا صراخاً .. وككل الصغار كانت أي حشرة بالنسبة لها هي وحش رهيب آكل للبشر لا حل معه سوى التدمير.

هكذا تعقدت الأمور لتصبح صعبة ومستحيلة الاستمرار .. وأنا لا أضمن أن أعود في يوم من الأيام لأجد صديقي العنكبوت قد اختفى في سلة المهملات بعد أن أصبح كومة أشلاء ممزقة.

لذلك أتيت بعلبة ورق مقوى صغيرة وحاولت معه عدة مرات حتى دخل فيها .. يبدو أنه بدأ اقتنع هو الآخر أن الظروف تغيرت وأن من كان يعده من أهل البيت صار يعده ضيفاً ليصبح بعدها عنكبوتاً غير مرغوب به وقد يخسر حياته بسبب تغير السياسات المفاجئ.

أسرعت ووضعت العلبة فوق خزانة الأحذية حيث توجد علبة ساعات قياس استهلاك المياه .. خرج بعدها من العلبة في ثقة وسار نحو أحد الشقوق ليختفي داخله.

لا أخفيك أنني شعرت بالحزن على فراقه.

همس النجوم والاقتصاد العاري

أقرأ هذه الأيام كتاب الاقتصاد عارياً وهو كتاب يتحدث عن المفاهيم الاقتصادية بطريقة مبسطة وممتعة .. الحقيقة أن الكتاب دفعني للتفكير في أمور عديدة تخص الاقتصاد وغيّر أيضاً قناعاتي وحلولي الشخصية المرتجلة عن أمور اقتصادية أخرى .. أنصحك بقراءته ولو على مراحل .. أو على الأقل قراءة الفصل السادس الذي أرى المعلومات التي فيه هامة حقاً.

قرأت قبله المجموعة القصصية همس النجوم وهي قصص قصيرة لنجيب محفوظ لم تنشر في كتاب واحد من قبل .. مجموعة قليلة الصفحات استمتعت جداً بها .. عالم نجيب محفوظ المتخم بالفتوات والشحاذين والمبروكين والحارات القديمة .. أسلوبه الكتابي الفريد الذي يجذبك لدرجة الحزن من الانتهاء السريع للقصة.