صندوق تينيوس,  قصص قصيرة,  قصص وروايات

صندوق تينيوس أو أنا أعرف أنك موجود هنا – 2

رابط الجزء الأول

3 – الكابوس

تحرك الفارس نحو الوحش وهو لا يكف عن تسديد الضربات المتلاحقة له .. زمجر الوحش ونفخ كرات من اللهب نحو الفارس الذي اصطدم بأحدها ووقع ميتاً على الأرض.

شعر بالغيظ ورمى يد جهاز الألعاب .. محاولة فاشلة أخرى ..

التفت للساعة في قلق .. لقد تأخر الوقت فعلاً … أطفأ كل شيء وذهب مسرعاً للنوم .

الطريق طويل وحار جداً وخال من أي شيء وهو يشعر بالعطش .. نظر حوله ولم ير أي مكان ليذهب إليه .. شعر فجأة بمن يلكز ظهره .. من أين جاء هذا الـ ..  التفت في خوف ورأى شخصاً بملامح مبهمة يقف بجانبه ويحدق به بعينان مغمضتان ..

كيف ذلك !؟

 سمع صوتاً عميقاً يسأله :

  • هل تريد فتح الصندوق ؟

ظل يحدق به في رعب وهو يحاول الابتعاد دون جدوى .

  • هل تريد فتح الصندوق ؟

عاد ليسأله في تصميم فأومأ برأسه محاولاً إبتلاع ريقه الغير موجود، ففتح ذو الملامح المبهمة فمه فخرج منه الصندوق وسقط على الأرض .. عاد الصوت العميق ليقول :

  • أمسكه وقل له : تينيوس .. أنا أعرف أنك موجود هنا … هل فهمت ؟

هز رأسه وهو يحاول إغماض عينيه فلمح عندها ذلك الشخص يقترب منه حتى ألصق وجهه به و ….

نهض وهو يصرخ بصوت مبحوح ونظر لتفاصيل الغرفة من حوله وبدأ بعدها يشعر بالهدوء من دون أن يفارقه شعور الرعب الممتزج بتفاصيل ما رآه.

لم يغب ذلك الكابوس عن ذهنه طوال اليوم .. لم يكن معتاداً على رؤيتها .. أحياناً كان يحلم بأنه أحد أبطال ألعاب الفيديو التي يلعب بها .. غير ذلك كان نومه غالباً بلا أحلام.

هل كانت هذه رسالة حقيقية من الصندوق أم أنه مجرد حلم مزعج !؟

لو كانت حقيقية فمعنى هذا أن هذا الصندوق ليس مجرد صندوق كنز عادي .. لم يسمع من قبل عن صندوق كنز يملك طريقة استعمال .. لماذا لا يفتح كأي صندوق وينتهي الأمر !!؟

عندما عاد للبيت ودخل الى غرفته اقترب من الفراش ومد يده وأخرج الصندوق من أسفله .. نظر له طويلاً بتردد ثم قال بتصميم :

  • أنا أعرف أنك موجود هنا.

للحظات لم يحدث أي شيء .. فشعر بالحنق وكاد أن يرمي به من النافذة عندما سمع تكة خافتة تصدر منه وانفتح غطاءه بعدها في هدوء.

تجمد للحظات ثم أمال الصندوق لينظر بداخله، كان مبطناً بمخمل أسود سميك باستثناء ذلك كان خالياً من أي شيء.

هل كل هذا التعب من أجل صندوق فارغ .. لماذا هو إذن ثقيل هكذا!؟

مد يده داخل الصندوق ليتفحصه من الداخل ولدهشته شعر بأنه واسع جداً من الداخل لدرجة أن يده دخلت بأكملها حتى رسغه فعاد وسحبها بسرعة وتأمله بعدها في فضول.

هذا شبيه بما يفعله سحرة السيرك بصناديقهم التي يدخلون بها أشياء من المستحيل أن تتسع بها .. هل هذا أحد صناديقهم!؟.

بدأ يشعر بالفرحة .. صحيح أنه لا يوجد به كنز ولكن ما اكتشفه هو أفضل من أي كنز .. سيشعر رفاقه بالغيرة منه عندما يريهم ما يستطيع صندوقه السحري فعله .. سيخبأ به أي شيء لا يريد أبواه أن يشاهدونه معه .. سيضع فيه أيضاً صديقه أسامة ويقفل عليه غطاءه ويتركه يصرخ ويرجوه أن يخرجه .. وبعد أن يخرجه لن ينسى أن يميل الصندوق قليلاً ليخرج منه البول الذي سيمتلأ به من جراء ما سيفعله أسامة داخله.

خطر له في تلك اللحظة أن يريه لجده .. لم يكن أبواه قد عادا من العمل بعد ولم يكن في البيت سواه فسار بسرعة باتجاه الصالة واقترب من جده الذي كان يجلس كعادته يشاهد ما يعرضه التلفاز ويضع أيضاً سماعة الراديو على إحدى أذنيه لكي لا يفوته أي شيء.

اقترب منه وقال بفخر :

  • أريد أن أريك يا جدي ما يستطيع هذا الصندوق فعله.

نظر العجوز له بنظرة جانبية ثم عاد ليتابع التلفاز وهو يقول بملل :

  • فيما بعد بني .. أنا مشغول الآن .. ثم ماذا سيستطيع صندوق صغير فعله سوى إخراج راقصة باليه تدور حول نفسها مع أصوات موسيقى بلهاء .. لا تقل لي أن جدتك ستخرج منه لأنني لن …

كان قد فتح الصندوق أثناء ذلك فنظر له العجوز ثم توقف عن الكلام وأمال رأسه قليلاً وبدء يضحك ببطء بعينين نصف مغمضتين .. ضحكة مرعبة لا تمت لما يستدعي الضحك بأي صلة.

تجمد وهو ينظر لجده الذي ظل يضحك لأكثر من دقيقة ثم مال رأسه أكثر وكف عن الحركة .. اقترب منه وهزه فمال على طرف الكرسي بفم مفتوح .. هنا بدأ يركض وهو يشعر برعب هائل نحو غرفته وقبع تحت غطاء السرير وهو يرتجف بلا انقطاع .. الصباح وضوء الشمس ومفردات النهار التي تجعل لحظات الرعب مجرد ذكرى خافتة لم تنجح في تخفيف الخوف الذي ينهشه بلا رحمة.

ما الذي حدث لجده!؟ .. هل يمزح معه لكي لا يزعجه مرة أخرى .. جده المتجهم نادر الضحك لم يفعل هذا معه من قبل فلم هذه المرة بالذات!؟

ولم يستطع تمالك نفسه إلا بعد سماعه أصوات صراخات والده ونحيب والدته .. هنا تشجع وبدأ يقترب من الصالة بقدمين لا تقويان على الحركة.

4 – تجارب

أيام العزاء الثقيلة وجو البيت الكئيب .. والده الذي بدا كأنه تقدم في العمر أكثر وأمه محمرة العينين دائماً .. الصالة المزدحمة بالناس الذين يأتون ويذهبون بسرعة ..

قيل له بأن نوبة قلبية مفاجئة أصابت جده ولم يستطع النجاة منها ..

هو لم يخبر أحداً بما جرى .. فقط قال بأنه كان في غرفته ولم يغادرها مطلقاً بعد عودته من المدرسة .. كان يفكر دائماً بما حدث لجده ويتساءل إن كان للصندوق علاقة بما جرى له.

 هل كانت صدفة !؟

إن كان الصندوق هو السبب لما جرى لجده فلم لم يحدث له هو أي شيء مع أنه فتح الصندوق من قبل وبل وعبث به قليلاً.

ولكن كيف يستطيع التأكد من ذلك .. هل يُجرب الصندوق على والديه ؟ .. ستكون كارثة حقاً لو كان هذا حقيقياً وسيصبح وحيداً ولن يبقى له أحد ليحضر له الهدايا ويحضّر له الطعام.

كيف سيتأكد من ذلك إذن ؟

كان قد خبأ الصندوق جيداً في الخزانة ولم يكن يفتحها أحد سواه وكانت مهمة ترتيبها ملقاة على عاتقه إضافة الى أنه لم يكن يسمح لأحد بالاقتراب منها لكي لا يضيع أي شيء من محتوياته لذلك كان مطمئناً بأن لا أحد سيفتح الصندوق غيره.

ومع الأيام بدأت الأمور تعود لطبيعتها في المنزل عدا ذلك الفراغ الذي تركه جده .. الفراغ الذي بدأ يتضائل رويداً رويداً وكأن جداً لم يكن ..

وبدأت تخطر بباله فكرة معينة .. الأستاذ سمعان .. الوحش البشري الذي يوسعهم ضرباً وشتائم في أي شيء يفعلونه داخل المدرسة .. الوحش الذي تسبب بفصل عدنان من المدرسة وضربه أمام جميع الطلاب فقط لأنه قال له أن هذا ليس من شأنك.

لو تكرر ما حدث مع الأستاذ سمعان سيعرف أن الصندوق هو السبب، لو لم يحصل شيء سيكلفه هذا بضع عصي وشتائم قبل أن يستطيع الفرار من الغرفة، كان الأمر مغرياً جداً بالنسبة له، سيكون هناك فرصة ليخلص المدرسة منه، قد يبتلعه الصندوق مع أنه من الصعب جداً أن يوجد شيء يستطيع هضم الأستاذ سمعان.

لكن التفكير شيء والتطبيق شيء آخر …

كان هذا واضح جداً بالنسبة له وهو يقف بتردد أمام مكتب الأستاذ سمعان، شعر بقشعريرة أليمة وهو يهم بدق الباب فتوقف وأخذ نفساً عميقاً، فكر بأنه من الحماقة أن يأتي بقدميه الى هذا الشخص الفاقد لأي رحمة.

هل يتراجع وينفد بجلده؟ معنى هذا أن يبقى الصندوق في الخزانة لمجرد أنه يشك أنه السبب في موت جده … لا بد أن يفعل شيئاً ما و …

مد يده فجأة ودق الباب بسرعة .. سمع صوتاً جافاً يدعوه للدخول .. أمسك بيده المرتجفة مزلاج الباب ودفعه ودخل …

كان الجو حاراً في الداخل .. الغرفة الصغيرة المزدحمة بخزانة كتب ومقعدين ومكتب وبالأستاذ سمعان شخصياً الذي أخذ يرمقه وهو يقول بقرف:

  • ماذا تريد يا ولد !؟

ابتلع ريقه وقال باضطراب :

  • أريد أن أعطيك هدية يا أستاذ.

نظر له الأستاذ سمعان طويلاً ثم قال فجأة :

  • هدية أم رشوة ؟ .. ماذا فعلت يا ولد لكي ترشيني ؟ هل تظن أنني سأسكت .. أقسم أني سأمزقك على  تجرؤك.

تراجع بخوف وهو يمد يده للحقيبة ويخرج الصندوق :

  • لا ليست رشوة .. هذه هدية لك يا أستاذ من والدي.

نظر الأستاذ سمعان للصندوق في فضول وقال :

  • ما هذا الذي أتيت به يا أحمق .. صندوق سجائر .. هه .. من قال لك أنني مدخن وهل يليق بأب أن يرسل مع ابنه هذا النوع الوقح من الهدايا.

ووقف وقد انتفخت عروق رقبته القصيرة وقال بصوت هادر :

  • اصبر فقط .. سأربيك أنت وأبيك سوية.

أمسك عصاه ورفعها وهو يتجه نحوه في الوقت الذي رفع فيها الصندوق وفتحه بسرعة ..

أرجو أن يكون هو السبب فيما حدث لجدي ..

تجمد الأستاذ سمعان وسقطت العصا من يده ثم مال رأسه قليلاً وهو يضحك بعينين نصف مغمضتين ضحكة شبيهة بالتي سمعها من جده .. الضحكة الرهيبة التي شعر أنها تأتي من مكان عميق .. ثم مال رأسه أكثر نحو صدره وسقط على الأرض ..

استيقظ من ذهوله وأغلق الصندوق ووضعه في الحقيبة .. الكلمة الآن للهرب ولا شيء سواه.

يتبع …

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *