مرحباً بك يا صديقي
نهاية العام اقتربت بشكل كبير كما ترى .. أسبوع آخر إن شاء الله وسنجد أنفسنا ضمن عام جديد .. هذه جملة نظرية طبعاً فلا شيء يضمن أن يحدث ذلك فعلاً ولكن الكثير مما نقوله يكون بحكم التعود لا أكثر.
الحقيقة أن السنة الحالية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة هي أطول سنة مرت عليّ منذ فترة طويلة .. منذ الطفولة على وجه التحديد لأن الوقت كان له بركة في تلك الأيام.
كانت أطول سنة مرت عليّ بسبب زلزال شباط الذي يبدو أنه أصابني بخلل في الشعور بالزمن وبنوع من فقدان الذاكرة الجزئي بحيث أنني نسيت الكثير من تفاصيل حياتي اليومية فيما قبل وقت الزلزال .. التفاصيل الصغيرة والمتوسطة تحديداً.
الزلزال وما حدث بعده والذي جعلني أغيّر طريقة تفكيري والتعاطي مع الحياة لأسلوب أكثر عملية وعقلانية .. هذا ما أرجوه على الأقل.
كانت سنة مختلفة لأنني انتقلت أيضاً لمكان عمل جديد وتخلصت من ذلك القديم والحمد لله.
لن أضع قائمة خطط للسنة الجديدة لأنني سأتابع ما أقوم به فعلاً .. تطوير لغتي الانجليزية وتعلمي للبرمجة .. أعتقد أني سأعود الى القراءة المنتظمة اليومية أيضاً.
سنة جديدة طازجة وأماني موعودة والرغبة بحدوث أشياء أفضل إن شاء الله.
اطمئنوا .. ليست عملية ارهابية
شاب عشريني في التشيك يطلق الرصاص داخل كلية الفنون في إحدى جامعات العاصمة براغ ويقتل حوالي أربعة عشر شخصاً .. هناك جرحى وأعداد القتلى مرشحة للتصاعد.
ما حصل مؤسف حقاً .. البشر الذين يموتون بلا سبب أو لأسباب قذرة .. هذا يحدث كثيراً جداً هذه الأيام.
لكن برغم بشاعة ما جرى دائماً ما تكون هناك تفاصيل ايجابية تخفف وطأة ما حدث … وهي هنا أن الشرطة التشيكية قد استبعدت أن يكون الهجوم عملية ارهابية.
ها أنت ترى أن هناك ألوان وردية ضمن كل هذا السواد .. منفذ الهجوم ليس إرهابياً .. أي أنه لا يربي لحيته أو يتكلم باللغة العربية .. هذا يخفف من حجم المأساة كثيراً وكان من الواجب على الشرطة أن تطلب من الجميع ترك المآتم والحزن والعودة الى بيوتهم ليقضوا سهرة عيد ميلاد سعيدة .. على الأقل يجب أن يخلو الساحات لكي تستطيع الفرق الموسيقية والباعة المتجولون كسب رزقهم.
العملية ليست ارهابية .. وكل ما هنالك أن شاباً أزرق العينين والروح كان يشعر بالملل فأراد أن يكسر الروتين اليومي ويحرك الأحداث قليلاً .. الملل مضر بالصحة كما تعلم والحياة أيضاً مضرة بالصحة كما قال المقدم رؤوف في نهاية الجزء الثاني من مسلسل الولادة من الخاصرة
إنه ليس إرهابياً .. فكونوا مطمئنين.
الرسالة داخل القنينة
اكتشفت هذا الاسبوع أنني لم أعد أقرأ أي مدونة تقريباً لذلك عدت الى أرشيف المدونات التي أتابعها عادة وبدأت من حيث انتهيت وكانت حصيلة جيدة حقاً.
أتابع عدة مدونات بشكل مستمر منها مدونة صفحات صغيرة ومدونة معاذ ومدونة أبو اياس ومدونة بحر ومدونات أخرى .. قراءة التدوينات نشاط لا تقل قيمته عن قراءة الكتب .. المدونات الشخصية لا تكتب من أجل مورد ربحي مباشر لذلك يكون أسلوب الكتابة بها مميز .. كلام مباشر بأسلوب بسيط.
المدونات تعلمك أموراً وخبرات لن تجد أغلبها في أي مكان آخر .. وتسمع من خلالها عن تجارب حياتية فريدة متعلقة بمكان آخر في الدنيا تختلف ظروفه وتفاصيله عن مكانك.
المدونات هي سير شخصية صادقة في معظمها بخلاف المذكرات الشخصية التي تباع في المكتبات والذي يحتوي أغلبها على قصص للإبهار وأنصاف حقائق ومقدار لا بأس به من الكذب .. كاتب السيرة الشخصية يمارس رقابة كبيرة على ما يكتبه أو لا يمارس أي رقابة فتخرج سيرته صادمة بطريقة مقصودة لكي يبيع نسخاً أكثر .. المدون يكتب بصدق واتزان أكثر.
التدوين هو نوع من سرد التاريخ الشعبي من خلال وصف الأحداث الشخصية اليومية للمدون وما يحدث من حوله.
وأنا أتعامل مع أغلب التدوينات باعتبارها رسالة أتت من داخل قنينة زجاجية .. الرسالة التي لن يكلف كاتبها نفسه تعب الكتابة والبحث عن قنينة ووضعها داخلها واغلاقها بإحكام ورميها في البحر من دون أن يوجد بها ما يستحق القراءة.
في التروماي
كان الوقت خلال الظهيرة وكنت أقف في التروماي المزدحم أنتظر في صبر وصولي لمحطة معينة .. الواقع أنها كانت آخر محطة على الخط لذلك كان عليّ الانتظار وعدم التفكير في الوقت.
صعدت في إحدى المحطات امرأة سورية منقبة وصعد معها أربعة من الأطفال مع رضيع تحمله على يدها اليسرى.
قد ييدو المشهد للوهلة الأولى طبيعياً بالنسبة إليك .. نحن العرب نحب الاكثار من الأطفال عادة لأسباب مختلفة .. وأنا لا أرغب هنا في الحديث عن ايجابيات وسلبيات ونتائج هذا الحب .. لنقل أنني أريد أن أخبرك بما رأيت وكفا.
لكن المشهد كان فريداً حقاً .. الأطفال الذي لم يبلغ أكبرهم السادسة إلا بالكاد كانوا يقفون ويتنقلون حول أمهم بتناغم لافت وكأن التنقل معها في المواصلات العامة هي عادة يومية .. بعضهم يحمل حقيبة مدرسية وبعضهم كان أصغر من ذلك.
كانوا أربعة أطفال .. فتاتين وصبيين .. الكبار منهم يقومون بدور الرقابة على الصغار بحيث لا يبتعدوا عن أمهم .. العيون الفضولية الجميلة تتابع ما يجري في التروماي بانتباه.
التروماي مزدحم الى حد ما وأماكن وقوفهم غير مريحة ولنقل أنها خطرة لأنها ملاصقة لباب الخروج ولم يقف أحد ما ليُجلس الأم الممسكة لطفلها الرضيع .. الأم التي تحمل طفلاً في المواصلات العامة لا يجب أن تقف ولو لثوان.
بمناسبة الحديث عن الرضيع .. الذي أدهشني أنه كان ينام باستغراق برغم الضجيج المتصاعد من حركة التروماي ومن أحاديث الناس حوله مع بعضهم ومع هواتفهم.
وأنا كنت أقف وأنا أراقبهم باهتمام لكي أفعل شيئاً ما لو اقترب أحد منهم من باب الخروج أو لكي أقدم معونة ما .. فكرت بأن أفسح المجال للأم لكي تقف مكاني باعتباره أبعد عن باب الخروج ولكن المشكلة أن مقابض الامساك في طرفي كانت عالية كلها ولن تصل يدها إليها.
التروماي لا يكف عن السير والتوقف وافراغ حمولته وملئها من جديد .. والطفال لا يكفون عن تأمل ما حولهم بفضول لا ينتهي .. بعد عدة محطات أصبح هناك مقاعد خالية جلست الأم على إحداها .. وبعد عدة محطات أخرى نزلت الأم مع أطفالها بتناغم مشابه لتناغم صعودهم.
مرت الأمور على خير والحمد لله .. كان من الأفضل أن يكون معهم الأب لمراقبتهم وحمايتهم .. أنا لا ألومه كثيراً لأنه في الغالب سيكون في عمله وليس من السهل هذه الأيام أن يجد عملاً فضلاً أن يكون له حرية التحرك في وقت الدوام خارج مكان عمله .. غرباء في مكان غريب .. أعاد الله بلدهم لهم وأعادهم الى بلدهم.
صحيح كلامك هذا عن المدونات والتدوين، و سوف يصبح لها حيّز مهم في المحتوى وفي تراثنا و إرثنا بإذن الله
نعم هذا سيحدث إن شاء الله وهناك العديد من المدونات التي تستحق أن تتحول الى كتاب ليمنع على الأقل ضياعها لو توقف الانترنت لسبب ما