أراك مبتهجاً لا تكف عن الدوران في أنحاء المنزل تضحك من دون سبب واضح وتحدث نفسك بأمور شتى.

هذه من الأعراض المبكرة لتلقي مكالمة أخبروك من خلالها أنك مدعو لمقابلة عمل .. 

مرحى لك .. أنت تستحق ذلك لأنك شخص مكافح لم يترك عنوان ايميل موجود على إعلان وظيفة من دون أن يرسل سيرته الذاتية عبره .

قد تسألني لم لم يرسلوا لك إيميلاً كما فعلت أنت .. الواقع أنهم يريدون التأكد من أنك لست سبام أو روبورت .. يريدون أن يسمعوا صوتك وسكناتك لكي يتأكدوا من أنك شخص حقيقي .. هذه طريقة فعالة ولكنها لا تنجح دائماً للأسف .. هناك من نجح للوصول الى مناصب ادارية كبيرة مع أنه مجرد سبام فقط لأنه يملك وجوداً مادياً.

لا تقلق .. هم سيرسلون لك الايميل في النهاية .. كنوع من التوثيق لا أكثر.

الطرف الآخر في المكالمة التي تلقيتها هو بطبيعة الحال موظف الموارد البشرية المسؤول عن التوظيف.

أريد منك في البداية ومهما كانت نتيجة المقابلة أن تعتبر موظف الموارد البشرية المسؤول عن التوظيف أحد أصدقاءك القريبين جداً الى قلبك حتى وإن كنت تجهل اسمه وهواياته وأين يسكن.

ضع باعتبارك أن مسؤول التوظيف في الموارد البشرية هو أهم من كل من تعرفت عليهم خلال حياتك كلها لذلك عليك أن تجعله صديقك بشتى الوسائل الممكنة والغير ممكنة.

صاحب المنصب هذا هو أشبه بذلك الذي يقف ليقلّب الخروف المشوي في بوفيه المائدة المفتوحة والذي يستطيع أن يضع في طبقك قطعة لحم إضافية بخلاف جميع الحضور.

هو يستطيع أن يجد لك عملاً أفضل بكثير حتى من ذلك الذي اتصل بك بسببه لو أراد .. ولو كان لك نصيب وأصبحت موظفاً عنده ستحظى بدلال ليس بعده دلال .. ألا يكفي أن تكون صديق مسؤول التوظيف في قسم الموارد البشرية !؟

لذلك تأكد من تثبيت رقمه على هاتفك وأرسل له المعايدات في كل المناسبات حتى في أعياد الأم والمعلم .. راقب حالاته على الواتس أب ولا تترك أي شيء ينشره من دون أن تعليق مهما كان سخيفاً وأرسل له في كل وقت وآخر أي مقطع فيديو أو صورة تراها مضحكة.

أتعلم .. مسؤول التوظيف في الموارد البشرية هو في الحقيقة أخوك .. نعم .. أبوك سامحه الله قام بوضعه عند باب الجامع وهناك من عثر عليه وتبناه .. ولأنه أخوك يجب أن تعامله بإخوة حقيقية.

ولكن .. لا تخبره الحقيقة ودعه يعيش من دون تشويش .. ولا تقلق فحياته أفضل من حياتك وكنت لتتمنى لو أنك من وضُع عند باب الجامع لتصير أنت مسؤول التوظيف في الموارد البشرية وليس هو.

جميل !!؟ …

عليك الآن أن تفتح باب خزانتك وتبحث عن قطع ملابس صالحة لمقابلة العمل .. 

التأنق ضروري في هذه المواقف ولكن من دون زيادة عن الحد الطبيعي .. هذا ليس عيداً أو حفل زفاف أو مناسبة للتنافس في الأزياء والأناقة .. ولن يُحسّن هذا من فرصك عند لجنة المقابلة.

لا تتأنق بشكل زائد على الأقل حتى يتعرف عليك موظف الموارد البشرية ويسمح لك بالدخول عندما تبدأ نهارك الأول في العمل لو حدث ووافقوا عليك.

الأمر سيمضي كالتالي .. حمام ساخن .. ثياب رسمية بألوان مريحة للعين .. تنظيف الأسنان .. عطر خفيف.

الحمام الساخن وتنظيف الأسنان بعناية هي أهم ما في القائمة على الاطلاق .. ليس هناك لجنة مقابلات عاقلة ستوظف شخصاً تتصاعد روائح كريهة منه أو من فمه تحديداً .. قد يكون هناك فرصة لتوظيفك لو كنت ترتدي ملابس غير مناسبة .. فعلها ويل سميث في فيلم The Pursuit of Happyness وفاز بالمنصب .. لو كانت هناك روائح تتصاعد من فمه لانتهى الفيلم عند ذلك الحد وخرُب بيت المنتج والمخرج.

لا تنسى أن تصل قبل الموعد المحدد بربع ساعة على الأقل .. ستكون بحاجة لالتقاط أنفاسك ولقليل من الماء .. لا أحد يبدأ مقابلة العمل بأنفاس لاهثة .. هذا سيدفع لجنة المقابلة الى التساؤل واعلم أن خيالهم محدود فلا تدعهم يستعملوه بلا داع.

أنت جالس الآن في غرفة انتظار أو ما شابه تلتقط أنفاسك وتتأمل المكان في فضول وتتسلى بمراقبة الغادي والرائح .. قد تطول فترة انتظارك لأن المواعيد الدقيقة شرط عليك الالتزام به أنت وليس هم .. الأمر خاضع للعرض والطلب .. لو كانوا بحاجة لك فلن يدعوك تنتظر وقد لا تخوض تجربة مقابلة العمل من الأساس.

ستأتي .. عموماً .. تلك اللحظة وسيأتي من يدعوك لبدء المقابلة .. ستجد نفسك بعدها جالساً على كرسي أمام طاولة كبيرة عليها بضعة أوراق وأقلام وزجاجات ماء وعلى الطرف الآخر يجلس أعضاء اللجنة الذين يبذلون جهدهم ليكونوا رسميين وصارمين مع قليل من اللطف.

أنت تشعر بالتوتر الآن وهذا أمر طبيعي.

لن أقول لك أن تدع التوتر جانباً … ستكون نصيحة حمقاء بامتياز لأن الأمر ليس بهذه السهولة .. 

لنحاول .. بدلاً من ذلك .. تخفيف توترك قليلاً عبر الحقائق التالية :

أرى أنك بدأت تهدأ وتتأقلم .. رائع.

سيبدأ أعضاء اللجنة بالتعريف عن أنفسهم .. أمسك قلماً وورقة من تلك التي على الطاولة ودوّن بسرعة أسمائهم الأولى ومناصبهم وضع خطاً تحت اسم من سيكون مديرك المباشر لو نجح كل هذا.

نحن ننسى عادة أسماء من نقابلهم لأول مرة لذلك ستكون نقطة في صالحك لو استطعت مخاطبتهم بأسمائهم .. مع لقب أستاذ – أستاذة … مباشرة وبشكل متكرر من دون أن تعيد الاستفسار عنها.

ستبدأ الآن المقابلة بشكل فعلي.

السؤال الأساسي هنا هو مايجب وما لا يجب التحدث به في مقابلات العمل ؟

الواقع أنه سؤال كبير ومتشعب .. ولكن لا تقلق لأن اللجنة ستكون في الغالب متمرسة في مقابلات العمل وستكون دفة توجيه الحديث بيدهم وهم بالتأكيد لن يضيعوا وقتهم فلديهم مرشحون آخرون لمقابلتهم سواء ضمن عملية التوظيف التي أتيت من أجلها أو عمليات أخرى.

قدم نفسك وبضعة معلومات عنك بالانجليزيه .. هذا قالب تستطيع حفظه مع التكرار .. هم لا يتوقعون منك أن تجيد الانجليزية وإلا تأكدوا من ذلك في وقت مبكر .. لا داعي لأخبرك أن عليك إجادتها هذه الأيام وإلا ستكون فرصك محدودة جداً.

ستتطور الأسئلة التي ستطرحها عليك اللجنة وتتنوع .. المهم هنا هو أن لا تجيب عن أي سؤال تجهل اجابته .. صدقني لا الحظ ولا الإلهام سيعملان في تلك اللحظة .. المعلومة الغير موجودة في عقلك لن تنبت فجأة بلا مقدمات والأجوبة الخاطئة ستعطي نظرة سلبية بخصوص مصداقيتك ومدى القدرة على الاعتماد عليك .. الصدق هنا منجي بامتياز والصراحة لصالحك فليس بغزارة المعلومات وحدها يعيش الموظف.

أفضل شيء تفعله بهذا الصدد هو أن تدون بعبارات سريعة المفاهيم الموجودة في كل سؤال تجهله وتحتفظ بالورقة في جيبك لتبحث عنها فيما بعد .. أخشى أن ينتهي الأمر ببحثك عن الورقة بلا أمل.

ستسدي خدمة كبيرة لنفسك لو فعلت ذلك .. ستزداد معرفتك في الخبرات العملية التي تطلبها لجان المقابلة وستزيد فرص توظيفك مع الوقت.

ولكن …….

كتبت .. لكن .. لوحدها للفت الانتباه.

تستطيع لو أردت أن تتوسع في الإجابة لكي تثبت أنك متعمق في جانب ما ولكن لا تعطي أبداً أي انطباع .. في هذه المقابلة أو غيرها .. بأنك تعرف أكثر من اللازم.

لا تنسى أن مديرك المباشر من بين الحاضرين في مقابلة العمل ولن يسعده أبداً أن يوافق على تعيين موظف سيشكل فيما بعد خطر محتمل على منصبه هو بالذات ..

أمكنة العمل وعصابات المافيا لديها نفس طريقة التعامل مع من يعرف أكثر من اللازم .. لن تتطور الأمور في أماكن العمل لربط قدميك بحجر ثقيل وإلقائك في مكان مائي عميق كما تفعل عصابات المافيا .. لكنك .. مع ذلك .. ستحظى بمعاملة مشابهة نوعاً.

لا بأس بأن ترسل رسالة خفية لمديرك بأنك وديع وطيّع ولن تكون مصدر صداع .. هذا أمر دقيق جداً يشبه وضع الملح على الطعام .. الطعام بلا ملح سيء ولكنه سيكون أسوء مع الكثير منه لذلك ولمصلحتك لا تضع الكثير من الملح .. قد تعتقد أن هذا طريق سهل للتوظيف ولكنك ستكتشف في النهاية أنك كنت تتذاكى على نفسك وأن الأمور لا تُدار هكذا.

هذا موضوع بحد ذاته لذلك لن أتكلم أكثر .. الآن على الأقل.

قد تسمع أسئلة غريبة عجيبة أثناء المقابلة كذلك السؤال الذي لا بد أن يسألك إياه مسؤول التوظيف في فضول عميق :

إنت شايف حالك .. أو نفسك ..  وين بعد خمس سنوات !؟

الواقع أنني سأصاب بالاحباط لو ذهبت الى مقابلة عمل ولم يقم أحد بسؤالي هذا السؤال وأعتقد أن عليهم أن يخصصوا له عضواً في لجنة المقابلات مهمته أن يسأل هذا السؤال فقط .

لهذا السؤال .. كما لك أنت تعرف .. عشرات الأجوبة والابداعات من كافة الأنواع المتحفظ منها والمستفز .. لكن دعك من كل ما سمعته وأعطه هذا الجواب وأنت تبتسم بثقة شديدة :

سأكون جالساً في مكتبي أعالج مهامي اليومية بنجاح كما أفعل دائماً.

سكينة في الحلاوة …..

ستنتهي الأسئلة في لحظة ما مع ابتسامات مفتعلة ووعد بالتواصل مهما كانت النتيجة .. ابتسامة مماثلة منك مع كلمة أو كلمتين عن أن جو العمل قد أعجبك وعن تمنياتك بأن تكون معهم في أقرب فرصة.

غادر بعدها المكان كله ولا تنسى قبلها أن تلقي التحية على من استقبلك.

هذا كل شيء … تمت المهمة بنجاح.

خذ اجازة باقي النهار .. أنت تستحق هذا بعد مجهودك المرعب.

ستكون الأيام التالية واعدة حقاً ..

شعور الترقب الجميل هذا .. الشعور الذي سيخفت مع الأيام وستنساه لو مر وقت من دون أن يبلغوك بالخبر السعيد وقد ينقلب لقدر ما من الحزن لو كان الجواب بالسلب.

الحزن الذي لا علاج له سوى بخوضك لتجربة مقابلة عمل أخرى.

بكل الأحوال وحتى لو تم قبولك وأصبحت موظفاً في مكان ما ومهما حدث لا تتوقف عن اجراء المقابلات لأنها الطريقة الفعّالة والوحيدة لمعرفة قيمتك الحقيقة في سوق العمل.

قد يرسلوا لك عرض عمل أو لا يرسلوا .. ليس هذا مهماً بدرجة كبيرة ..

أنت تجاوزت القائمة الطويلة وذهبت الى مقابلة عمل وهم عرفوا أين ستكون بعد خمس سنوات من الآن.