يحدث هذا في آخر أيام الصيف .. البرودة اللطيفة ما زالت تنتشر في الجو كأحد الآثار المتبقية من ساعات الفجر

والشمس المرهقة من إذاقة بأسها للناس اكتشفت واجمة بأن الوقت ينفذ منها ومازال لديها مخزون من الحر لم ينتهي بعد .. هكذا تبدأ صبّ أشعة محرقة تتمازج مع البرودة بشكل يجعلك حائراً في كيفية اختيار ملابسك .. لو ارتديت خفيفاً ستبرد .. لو ارتديت ثقيلاً عندها سيُطلى جسدك بالعرق وتهب روائح غير مرغوبة منك.

ماذا ستفعل !؟ .. هذا ليس نطاق حديثنا للأسف.

لكن .. هل ترى ذلك السطح ذو الغرف الخالية من الأسقف في أوله وتلك المساحة الكبيرة في آخره !؟

لابد أنك ما زلت تذكر تفاصيله من كلامي السابق .

ألم تقرأها بعد !؟

آآآه .. أنت من تلك النوعية الغير صبورة من القراء التي تحب اختلاس النظر الى الصفحات التالية قبل البدء بالقراءة.

لا بأس .. ولكن لا تنسى أنه لا يسعك في النهاية سوى بدء الحكاية من أولها .. لذلك عد الى الصفحة الأولى وأنا بانتظار عودتك الى هنا مرة أخرى.

هل تسمع تلك الخطوات البعيدة أم أنني واهم !؟

يبدو أنها حقيقية فعلاً .. أسرع وابتعد فقد بدأت الحكاية .. أعود وأقول لك

أنا بانتظار عودتك الى هنا مرة أخرى.

*****

كانت نجاح هي من تحمل سلة الغسيل الثقيلة حقاً .. غسيلها وغسيل جارتها عزيزة التي كانت تلهث وهي تصعد الدرج وراءها حاملة صينية بفنجانيّ قهوة فارغين مع الدلة النحاسية المغطاة بصحنيّ الفنجانين وكأس ماء بجانبه دورق صغير.

وبرغم حملها الخفيف الى حد ما فقد كانت تلهث أكثر من نجاح التي ساعدها طولها الفارع على الصمود على ما يبدو.

عبرتا الممر الضيق ذو الألواح الزجاجية السميكة المزخرفة التي وُضعت في أماكن مختلفة من الأرضية بحيث يعبر الضوء من خلالها نحو الأسفل .. ثم وصلتا الى المساحة الكبيرة حيث عُلّقت بضع حبال غسيل في القسم الأيمن منها.

الهواء يدخل عبر قطع الحجر المجوفة الموضوعة على يسار المساحة الكبيرة مصدراً صوتاً عميقاً يختلف ايقاعه باستمرار

الأحجار الصغيرة المرصوصة لتحجب الأنظار القادمة من المباني المجاورة على حين خلت منها بقية أطراف السطح المطلة على السماء مباشرة.

وضعت عزيزة الصينية على طاولة حديدة موضوعة بجانب كرسيين من الخشب ثم أسرعت لتساعد نجاح في إنزال سلة الغسيل على الأرض ثم بدأت في تناول قطع الغسيل ونفضها بعناية ثم مناولتها لنجاح التي أخذت ترصها على الحبل في سرعة وحنكة.

دقائق من الصمت مرت قبل أن تبدأ عزيزة في الكلام قائلة وهي تنفض قطعة غسيل ثقيلة :

ضحكت نجاح وقالت بقليل من التلعثم :

ضحكت عزيزة هي الأخرى ثم قالت في لذة منتصرة :

مطت نجاح شفتيها وهي تهز كتفيها في غضب طفولي :

قاطعتها عزيزة وهي تلطمها لطمة خفيفة على كتفها :

ضحكت نجاح وهي تخفض عينيها وتناولت قطعة الغسيل من عزيزة وبدأت ترصها ووضعت ملقطيّ غسيل على جانبيها.

ساد الصمت مرة أخرى قبل أن تصدر نجاح تنهيدة عصبية وتقول :

استمعت عزيزة لها بانتباه ثم سألتها :

ثم صمتت نجاح وقالت :

ضحكت عزيزة ضحكة خفيفة وهي تنفض قطعة غسيل قائلة:

تمتمت نجاح بكلمات سريعة غير مفهومة ثم قالت في غيظ :

ناولتها عزيزة قطعة غسيل أخرى وهي تقول بخبث :

عقدت نجاح حاجبيها في غضب وبقية صامتة وهي تواصل رصّ الغسيل وتثبيته بالملاقط.

تأملتها عزيزة بفضول ثم قالت لها :

هزت نجاح رأسها وقالت باقتضاب :

سألتها عزيزة في دهشة :

تنهدت نجاح قائلة وهي ترصّ آخر قطعة ثياب وتناول بقية الملاقط لعزيزة :

أمسكت عزيزة سلة الغسيل الفارغة وسارت ووضعتها بجانب أحد الكرسيين ثم جلست وتبعتها نجاح التي كانت تتنهد بعمق.

بدأت عزيزة بصب القهوة وهي ساهمة ثم أخرجت من جيبها قطعتي شوكولاته ووضعت أحدها بجانب فنجان نجاح.

بقيتا صامتتان لفترة يستمعان لصوت الهواء القادم من قطع الحجارة المجوفة .. ثم قالت عزيزة فجأة :

نظرت لها نجاح بدهشة ثم قالت :

هزت عزيزة رأسها بسرعة وقالت :

ضحكت نجاح قائلة :

أمسكت عزيزة أحد ملاقط الغسيل بيدها وبدأت بالضغط عليه لفتحه ومن ثم اغلاقه مرة أخرى والتزمت ساهمة بالصمت.

وبدأت تُسمع رشفات متتابعة تمتزج مع صوت الحمام الذي بدأ يحوم فوقهما.

تأملتها نجاح بنظرات خفية ثم قالت وهي تضع قطعة شوكولاتة في فمها :

وضعت عزيزة الملقط بين أسنانها وسألتها لنجاح بصوت ملتوي :

أجابتها نجاح في تعجب :

بدأت عزيزة تضغط بأسنانها على الملقط وهي تسأل نجاح بصوت حاولت أن يكون هادئاً :

نظرت لها نجاح باستنكار ثم قالت :

هنا بدأت عزيزة بالنفخ مصدرة من خلال الملقط صوت صفير خافت بينما كانت نجاح تنظر لها في دهشة وتساؤل.

وعندما همّت عزيزة بالكلام سمعوا صوت خطوات سريعة قادمة الى السطح ثم ظهر أحد أبناء نجاح وهو يصرخ بصوت رفيع :

قامت نجاح مولولة بسرعة وركضت وراء ابنها الذي ركض هو الآخر وهي تحاول ركله ولطمه.

راقبتها عزيزة وهي تبتعد ثم بصقت الملقط من فمها وهي تقول في حنق وغضب :

ثم رفعت الصينية بيد مرتجفة وأسرعت مغادرة السطح.


* لأمصع رقبتك : لكي أضربك وأوبخك