إحدى الهواجس التي اكتسبتها خلال السنوات الأخيرة هي التقييم الدائم لكافة أنشطتي اليومية بحيث أحاول قدر الإمكان عدم إضاعة الوقت بالأمور التي لا فائدة ترجى منها، وأنا ممتن لهذا الهاجس لأنه يحميني باستمرار من الانشغال بتلك العادات الإدمانية .. وما أكثرها .. التي تجعلك تغرق ضمنها من دون أن تعطيك أي مكتسبات حقيقية .. تصفح مواقع التواصل مثال كبير عن ذلك .. المعيار هنا بسيط .. هل عرفتَ معلومة ستجعل حياتك أفضل ولو بشكل بسيط !؟
ركام المعلومات أصبح كبيراً جداً وهناك من يتكلم وكأنه يبوح بأسرار الكون ولا يخرج كلامه .. في الحقيقة .. عن كونه فارغاً وبه قدر كبير من الخداع.
عن أيام الوباء … أيام الهدوء والتركيز
أفتقد كثيراً تلك الأيام التي تسبب بها وباء كورونا بأن أعمل في المنزل، أفتقد تلك الأيام التي لم يكن مطلوباً مني أن أضيع الكثير من الوقت في التنقل من والى مكان العمل، الأيام التي كنت أتحكم فيها ببيئة العمل بشكل كامل، أيام التركيز والهدوء والابتعاد عن أي ضجيج.
قد تستغرب هذا الكلام وقد تكون تلك الأيام كريهة بالنسبة لك باعتبارها كانت أيام إقامة إجبارية في المنزل وأنت شخص إجتماعي بشدة وتتنفس ثاني أوكسيد الكربون، ربما أنت كذلك ولكن يبقى لكل حال مزاياه وعيوبه التي قد لا تكون عيوباً عند البعض.
يفترض في هذا الزمن الذي يتواصل الناس مع بعضهم .. حرفياً .. طوال اليوم أن لا يكون التنقل الى مكان محدد للعمل هو أمر أساسي لا مفر منه ما دمتُ أستطيع أداء مهامي على أكمل وجه وما فائدة كل هذا التقدم إن كان يومي سيكون شبيهاً بيوم أي موظف عاش قبل قرن من الزمان !!؟
القط الذي مات
في الصباح عند موقف باصات النقل العام كان يقف قط أسود صغير على ذلك السور المنخفض يبحث عن من يطعمه ويداعبه، كنت أنتهز تلك الدقائق التي تسبق وصول الباص لكي ألعب معه، قط أسود صغير لا يكف عن عض أصابع يدي بأسنانه التي ظهرت بالكاد ومخالبه التي كانت تنجح في إثارة ضحكي.
لم أعد أراه في الأيام الأخيرة واكتشفت أن ابنتي التي تغادر البيت قبلي كانت تطعمه بعض المقرمشات الخاصة بالقطط الصغيرة وبعد أن يشبع كان يقفز عائداً داخل المبنى الذي وُلد في حديقته.
البارحة كنت أتجه نحو الموقف عندما رأيته .. القط الأسود الصغير ملقى ميتاً بجانب زاوية السور المقابل لمكان جلوسه المعتاد .. يبدو أنه كان يقطع الشارع عندما دهسته عربة مسرعة .. مشى بعدها بضعة خطوات قبل أن يستلقي ويموت.
لم يعد هناك .. هنا لندن
سمعت بخبر إيقاف بث إذاعة لندن العربية وشعرت بالحزن، هذه الإذاعة التي كانت أحد مفردات الحياة اليومية الأساسية في أغلب البيوت السورية.
في تسعينات القرن الماضي وقبل انتشار البث الفضائي كانت هذه الإذاعة هي وإذاعة مونتكارلوا أهم مصدر معلومات في ظل عدم وجود إعلام محلي كتوم .. إعلام كتوم 🙂 .. ولا يتمتع بأي مصداقية، أذكر أن أبي حفظه الله كان يجلس في ساعات الليل المتأخرة يحاول معرفة تطورات حرب الخليج منها، وكثير من الأحداث التي وقعت في المنطقة كان السوريون يعرفونها من تلك الإذاعات.
الراديو يقدّر مشاغل المستمع ولا يحاول أن يحتلّ كامل حواسه لذلك تستطيع أن تقضي أغلب مهامك وأن تستمع لمختلف برامجه في أي وقت من اليوم.
في هذا العصر هناك بدائل عديدة لمحطات الإذاعة كالبودكسات واليوتيوب مثلاً لو اكتفيت بالاستماع له كما أفعل أنا في الغالب ولكن يبقى للمحطات الإذاعية سحرها الخاص لأن برامجها تعدّ باحترافية أكثر ومذيعوها متمرسون ويعرفون كيف ينقلون مشاعر الحدث ليصلك الكلام والصوت والإحساس بشكل كامل.
ركام المعلومات أصبح كبيراً جداً وهناك من يتكلم وكأنه يبوح بأسرار الكون ولا يخرج كلامه .. في الحقيقة .. عن كونه فارغاً وبه قدر كبير من الخداع.