بدأت الحكاية بما كتبته في العدد 44 من أحاديث الشرفات عن شخص يقطع مسافة طويلة أثناء ذهابه اليومي للعمل.
تعرف هذا الشخص على زميل عمل ينزل معه في المحطة الأخيرة حيث يمشيان لنحو خمس دقائق حتى يصلوا لمكان العمل.
هنا خطر لصاحبنا الصمُوت معظم النهار أن يستغل الخمس دقائق تلك في اختلاق أكبر عدد ممكن من المواضيع مع صديق الطريق الجديد بحيث يخرج من حديث ليدخل في آخر بأسرع ما يمكن.
ستكون هذه الأحاديث .. بالنسبة له .. نوعاً من التعويض عن ساعات صمته خلال أوقات العمل.
هكذا بدا أن الأمر يسير بشكل جيد .. هو لا يتوقف عن الحديث إلا بالكاد لكي يعطي المجال لصاحب الطريق بالرد على أسئلته أو إبداء رأيه فيما يقول وصاحب الطريق رأى الأمر على أنه كسر للروتين أتى من دون انتظار من الصاحب الثرثار هذا الذي ظهر له من دون سابق إنذار.
هذه نهاية سعيدة حقاً وأنا راض بها تماماً.
لكن الذي حدث بعدها أن خاطراً ما قد بدأ يأتيني كل فترة يغريني بأن أكمل ما بدأته .. كمثل تلك الأشباح أو الكيانات الحانقة التي تأتيك في الظلام مطالبة لك بغموض بإكمال أشياء لا تتذكر أساساً أنك فعلتها.
هذا يحدث أيضاً في أرض الواقع بين البشر في ظروف مختلفة 🙂 ..
والذي فعلته أنني ببساطة تجاهلته وتظاهرت أنه غير موجود .. ولما اكتشف ما فعلته كبُر وتحول الى فكرة بدأت بجذبي من كمّي باستمرار وإصرار مثل أي طفلة شقية تريد الذهاب الى المراجيح ..
هذه طريقة فعالة حقاً ومنيعة أمام كل تجاهل.
والحقيقة أن تجاهلي كان نابعاً من كوني غير متأكد من أن تلك الفكرة صالحة للتحول الى سلسلة قابلة للاستمرار.
وأنا يا عزيزي القارئ أكره التحمس لشيء والبدء به وعدم إكماله بعدها .. هذه عادة بذيئة لدى بعض الكتّاب الذين يتعاملون مع الكتابة وكأنها أطباق طعام نبدأ بأحدها وسرعان ما نكتشف بعد ذلك أن هناك ما هو ألذ وأزكى رائحة فندعه جانباً لننتقل الى الآخر وهكذا.
هذا حق من حقوق القارئ ولكنه ليس حقاً لك أبداً ككاتب لذلك يجب أن لا تعشّم القارئ بشيء ولا تكمله بعدها.
وحتى أنتهي من كل هذا انتظرت لكي يتجمع عندي عدد كاف من الحكايات .. العدد الذي أقنعني بجدوى البدء بسلسلة جديدة.
لوّحت بأوراقي لتلك الفكرة الشقية فكفت عن الصياح وجذب كمّي وغادرت المكان ولكنها لم تبتعد كثيراً لا هي ولا نظرات وعيدها.
من هنا بدأت هذه السلسلة من الحكايا العبثية .. ظاهرياً .. والطريفة أحياناً والغير مكتملة في الغالب.
قد تنظر لها على أنها هراء في هراء وأن الحكاية غير مستاهلة .. وقد تجدها مسلية .. هذا عادل حقاً.
لذلك يا عزيزي القارئ .. لو أعجبتك تلك الحكايا القصيرة .. حكايا الخمس دقائق .. سأكون ممتناً وسعيداً بذلك.
وإن لم تعجبك .. فسأكون ممتناً وسعيداً أيضاً .. يكفيك شرف المحاولة ويكفيني شرف الكتابة.
لا توجد تعليقات