في يوم من ذات الأيام .. لم يكن يوماً بعيداً جداً .. كان هناك دب ضخم يعيش في غابة داخل كهف العظام.
كان الدب يشعر بالرضا كونه يعيش ضمن ذلك الكهف المملوء بما لذّ وطاب من أنواع العظام، للدقة كان يشعر بالفخر أيضاً كونه صديق مقرب للزرافة التي كانت مسؤولة عن إمداد الكهف بالعظام من شتى الأماكن باستمرار.
وكما تعلم، الصداقة مع أحد الكبار في أي مكان لها فوائدها، لذلك استطاع في لحظة معينة أن يجلب معه قريبه الجرو الصغير ليعيش معه داخل كهف العظام، لم يكن من المسموح ذلك وفق قانون كهف العظام المكتوب على صخرة وُضعت في ركن مظلم من أركان الكهف ولكن بكل الأحوال ما كان أحد ليشك بوجود قرابة ما بين دب وجرو وما كان أحد ليتجرأ في الحديث عن ما هو مكتوب على الصخرة لأن ذلك سيغضب الزرافة ومن ذاك الذي يجرأ على إغضاب حيوان له عنق طويل !!؟
هكذا عاش الجرو في كهف العظام بعد وصية صارمة من قريبه الدب بأن لا يصدر منه أي نباح أو عواء وأن يقبع في المكان الذي اختاره له .. في وكر صديقه الكنغر تحديداً .. بجانب الكلب البدين ذو العينين السميكتين.
ومرت أيام عديدة .. تخيل ريش طيور يتطاير بدلاً من أوراق الروزنامة التي لم يعد يستعملها أحد منذ زمن طويل … بدأت أحوال كهف العظام بالتغير ولم تعد أعداد أكوام العظام الموضوعة هناك كما في السابق.
نظر الدب حوله واكتشف أن الزرافة والكنغر قد رحلا لكهف آخر هما وبقية الحيوانات أصحاب الرقاب الطويلة، وجاء بدل منهم بومة وحيوان كسلان وقرد صغير.
شعر الدب بالذعر وبدأ يفتش عن كهف آخر ليعيش فيه، عثر لحسن حظه على مكان في مصنع عظام كبير، وكان لهذا .. كما تعلم .. فوائد كبيرة منها أنه يستطيع أن يضمن بقاء قريبه الجرو في كهف العظام لأن مصنع العظام هو أحد الجهات التي ترسل العظام للكهف، المنافع المتبادلة جميلة حقاً.
ومرت أيام أخرى عديدة .. تخيل هذه المرة ريش بومة يتطاير .. فجأة وكما اختفت الزرافة وزملائها اختفت البومة وبقية أصدقائها أيضاً.
هنا حدثت ظاهرة طبيعية لا تحدث إلا مرة كل سبعين سنة.
هل تذكر الكلب البدين ذو العينين السميكتين !؟ .. ذلك الذي جلس الجرو بجانبه.
كان ذلك الكلب من فصيلة لا توجد أي فائدة تذكر منها، فقط هو كان يجيد الجلوس والنفخ، وكما تعلم لم يكن النفخ يوماً إحدى المهارات اللازمة في كهف العظام أو في أي مكان آخر باستثناء أعياد الميلاد، وحتى تلك لم تكن من الأمكنة التي يتواجد فيها كلب بدين له عينان سميكتان.
لكن الذي حدث أنه .. ولأسباب معينة .. تم وضع الكلب البدين ذو العينين السميكتين كمشرف على حركة الحيوانات التي تقيم داخل كهف العظام.
أعتقدُ أن الكلب نفسه قد تفاجئ بهذا القرار المفاجئ، لكن الذي جعله يشعر بالسعادة أنها كانت المرة الأولى التي تُقدر فيها جهة ما مواهبه الفذة، الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية أنه قد صار بوسعه أن ينال عظمة أكبر حجماً من تلك العظمة التي كانت من نصيبه من قبل.
هذه أخبار سعيدة كما ترى ولكن مع ذلك بقي الكلب البدين ذو العينين السميكتين مهموماً وخائفاً، وكان السبب هو أنه لم يكن يجيد التعامل مع باقي الحيوانات وكانت هوايته المفضلة هي العبوس فكيف سيستطيع التعامل مع كل هذا الكمّ من الحيوانات التي يحتويها كهف العظام !؟
كان يقبع حائراً حزيناً في إحدى أركان وكر الكنغر الراحل عند لمح الجرو يركض ويلعب هنا وهناك، هنا خطر بباله خاطر جعل وجهه يبتسم ابتسامة عريضة كادت أن تُوقع أسنانه التي فوجئت بهذا التمدد الذي لم يحدث منذ نبتت أول مرة.
سيعين الجرو ناطقاً رسمياً له ….. وعندما يريد أن يُبلّغ بقية الحيوانات بأمر ما فقط سيقف ويطلق نباحه لمرة واحدة ثم يصمت ويفسح المجال بعدها لناطقه الرسمي الجرو لكي يتناقش مع البقية.
كاد عقل الجرو يطير من السعادة ولكنه اكتشف في اللحظة الأخيرة أنه لا يملك واحداً فاكتفى بأن يبصبص بذيله فخراً بهذا المنصب الرفيع وبدأ باستلام مهامه الجديدة.
وهكذا كان الكلب البدين ذو العينين السميكتين يقف وينبح لمرة واحدة ثم يتراجع .. في حِنكة .. ويترك الساحة للجرو الذي أخذ يقفز هنا وهناك يعضُ قدم هذا وينبح بصوته الرفيع في وجه ذاك.
وأخذ باقي حيوانات الكهف يتعاملون مع الموقف بغضب واشمئزاز، كان الجرو صغيراً لدرجة بدا أنه من التفاهة أن يتعارك أحد ما معه، الواقع أن ركلة واحدة كانت كافية لكي تحول الجرو الى كرة عجين ولكن أحداً منهم لم يكن مستعداً أن يقال عنه أنه استعمل قوته تجاه جرو تافه كذلك الجرو.
تفاهة الطرف الآخر وضعفه يجعلانك مقيداً إزاء ما قد تفعله تجاهه خاصة إن كان جرواً صغيراً كذلك الجرو الذي عيّنه الكلب البدين ذو العينين السميكتين ناطقاً رسمياً باسمه.
كان الجميع غاضباً ومشمئزاً أو على الأقل يكتفي أن يهز كتفيه في سخرية.
ألم يجدوا غير الكلب البدين ذو العينين السميكتين لكي يوضع مشرفاً على حركة حيوانات الكهف !؟
الواقع أنهم عندما بحثوا داخل وكر الكنغر الراحل لم يجدوا غيره للأسف .. هذا ما حدث بالفعل.
لكن برغم كل شيء وفي كل ليلة كان الكلب البدين ذو العينين السميكتين يجلس في أحد أركان الوكر يلعق عظمته الجديدة في رضا وهو يضحك ساخراً بينه وبين نفسه.
كان يخشى فقط أن يحدث شيء ما يُرمى بعده الجرو خارج كهف العظام أو خارج الغابة كلها، ولكنه كان يقول لنفسه في ثقة أن هذا يحدث فقط للكلاب الكبيرة وليس للجراء.
وحدها الكلاب الكبيرة التي تستطيع أن تتشمم الخطر قبل أن يقترب فتهرب بعدها الى مكان بعيد.
بينما تبقى الجراء لتتقافز بنباحها الرفيع وهي لا تكف عن عض قدم هذا أو النباح في وجه ذاك بينما يشيح الجميع بوجهه عنها في اشمئزاز وقرف من فرط التفاهة.
تابع الكلب البدين ذو العينين السميكتين لعق عظمته في اطمئنان ورضا.
لا توجد تعليقات