بيني وبينك .. لا أعرف حقاً من أين أبدأ.

هذا ليس كتاباً لتعليم شيء ما يتوجب عليك أن تسلسل مفاهيمه أو رواية من المحتم أن تبدئها من أول الحكاية .. هناك من لا يلتزم بهذا أصلاً.

هذه سلسلة مقالات تتكلم عن الأمور التي لن تجدها في كتب الادارة .. تلك الأمور الخفية التي تتمايز بها أماكن العمل والتي لن تعرفها إلا عندما تراها وتجربها بنفسك.

ولكل أمر من هذه الأمور حكايات وحكايات .. نحن نتحدث هنا عن سلة كبيرة ممتلئة بكرات الصوف التي قام أحدهم بخلط خيوطها بظروف مجهولة وصار من شبه المستحيل أن تعرف الخيط الذي بدأت منه تلك المتاهة.

أنا في حيرة حقاً .. لا بد من بداية آمنة .. وبما أن الأمر كذلك أعتقد أن الحل هو في البدء منذ البداية الأولى .. ما هذه الجملة الغريبة !!؟.

تحديداً عند تلك اللحظة التي تجد نفسك فيها مرمياً خارج أسوار الجامعة وفي يدك شهادة جامعية رصينة مزخرفة ومختومة بالختم الدائري وموضوع عليها اسمك وتخصصك.

برغم أن هذا محبط حقاً ومعناه أنك خرجت عملياً من الحياة الجامعية .. وهي خسارة فادحة لن تكف فيما بعد عن التحسر عليها .. لكن هذا سيحدث في وقت ما بكل الأحوال ولحسن الحظ أنت تمسك شهادة بيدك وهذا لا يحدث مع الجميع.

ستشعر ببعض الخذلان في البداية ثم سينقلب الأمر الى هاجس مرعب بضرورة البحث عن عمل .. نظرات وتلميحات من حولك ستدفعك في لحظة ما للجلوس أمام الحاسب والبدء بتلك الهواية اليومية التي ستكون جزءاً أصيلاً من حياتك اليومية حتى وقت ما.

ستعثر .. لو كنت محظوظاً .. على بعض اعلانات التوظيف المناسبة لك.

كل هذا جميل .. ولكن المشكلة ستبدأ عندما ستبدأ في قراءة تفاصيل إحدى تلك الاعلانات .. وتحديداً عندما تصل الى تلك الفقرة الطويلة المعنونة باسم “الوصف الوظيفي” أو “Description Job”.

كنت أرغب في نصحك بأن تتجاوزها ولكنك لن تستطيع للأسف .. لا بد من قراءتها برغم كل شيء.

والذي سيحدث أنك ستشعر بعدها بالصدمة وبأن هناك من خدعك .. أنت لا تفهم أغلب المكتوب فيها عداك عن ذلك الكمّ الرهيب من الأعمال الذي يحتاج الى كتيبة محاربة لتأديته.

تعود لمراجعة اسم الاختصاص والوظيفة ..  لا أخطاء هنا وفعلاً هذا هو نوع العمل الذي يناسب شهادتك والذي اخترت التقديم عليه منذ البداية.

هل أخطأ موظفو الموارد البشرية وقاموا بوضع فقرات لا تنتمي للتخصص المطلوب !؟

لا طبعاً .. هذه الفقرات أتت من مدير القسم الذي يحتاج ملأ ذلك الشاغر وليس من بنات أفكار موظفي الموارد البشرية .. قد يكون منسوخاً من موقع أو ملف ما لكن بكل الأحوال لا يوجد خطأ هنا والوصف الوظيفي يخص تلك الوظيفة بالذات.

لكن ما علاقة هذا الكلام بما درسته !؟

هنا سأكون مضطراً للتدخل حفاظاً على أعصابك على الأقل.

الهدف من الوصف الوظيفي هو إخبار المتقدم بتفاصيل المهام التي سيكلف بها في حال تم اختياره كمرشح فائز وقبل عرض عمله.

الأمر أشبه بذلك الكتالوغ المرفق مع أي جهاز ليشرح لك طريقة استعماله .. أي أن هذا الوصف يساعد الادارة والموظفين والمدير الذي ستكون تحت اشرافه في معرفة كيفية استعمال الموظف.

هل هذا كل شيء !؟

لا .. هناك أهداف أخرى بالطبع .. أهداف خفية.

في البداية دعني أخبرك بحقيقة أن الوصف الوظيفي قد كتب في جو مثالي نقي وبمكتب معقم بالكامل وبأيدي مدراء يرتدون السلوفان اللامع ويغطون رؤوسهم بخوذ رواد الفضاء.

الحقيقة الأخرى أن المعايير المكتوبة ضمن الوصف الوظيفي لا يمتلكها .. على الغالب .. حتى من كتبها نفسه.

هناك من قال بأنه سمع من يكتب الوصف الوظيفي وهو يتمتم بالعبارة الأخيرة في أغنية قارئة الفنجان : ما أصعب أن تهوى امرأة يا ولدي ليس لها عنوان.

الوصف الوظيفي له استعمالاته المحببة أيضاً عند موظفي الموارد البشرية فمن خلاله يبثون الرعب في نفوس طالبي الوظيفة من جهة وفي نفوس سكان أماكن العمل المشابهة على حد سواء .. هذا مكان عمل عميق وجاد ولا ينال أحد شرف العمل فيه بسهولة .. هذا مكان عظيم يا أوغاد وليس بسطة خضار صغيرة.

عموماً ..

لو استطعت الوصول بكامل قواك العقلية لآخر فقرة في الوصف الوظيفي ستجد هذه العبارة :

أي واجبات أخرى يكلفك بها مديرك.

نعم .. هي كذلك وأنت لم تقرأها أو تترجمها بشكل خاطئ.

ماذا !!؟ .. لم لم يكتفوا بها ووضعوها هي فقط في الوصف الوظيفي !!؟ .. هي كافية جداً.

أنا سعيد لأنك لم تسأل هذا السؤال لشخص غيري لأني لا أضمن النتائج وبخاصة لو سمع سؤالك أحد موظفي الموارد البشرية .. عندها قد يكلفك هذا وضعك في القائمة السوداء لديهم باعتبارك تريد زعزعة الثوابت التوظيفية وخلق البلبلة في نفوس المرشحين.

ليست كل الحقائق تقال بذلك الشكل المباشر يا عزيزي .. لقد خانتك الدبلوماسية.

نحن نعرف جميعاً أن الناس ترتدي ثياباً داخلية .. مع ذلك تصور أن يشير أحدهم لشخص ما ويقول له بثقة أمام الناس أنه متأكد من أنه يلبس ثياباً داخلية.

ليس كل الحقائق قابلة للكلام والنشر.

أنت تريد أن نتعامل مع عملية التوظيف صراحة بأنها عقد عبودية .. وما هكذا تورد الأبل يا صديقي ويبدو أنك بحاجة لقراءة وصف عمل الأبل لكي تعرف الطريقة المناسبة لفعل ذلك.

لكن … يبقى هناك عدة ايجابيات للوصف الوظيفي منها أنك تستطيع أن تعتبره قائمة مختصرة للمهارات المطلوبة في سوق العمل وأقصد هنا تحديداً تلك المهارات التي عليك أن تتعلمها بنفسك ولن تجدها في أي منهاج دراسي.

ببعض عمليات البحث على الشبكة سيكون لديك نقطة بداية ممتازة لما يحتاجه تخصصك من مهارات عملية ستؤهلك فيما بعد لأن تنال منصباً قوياً وأساسياً في مكان العمل.

وحتى يأتي ذلك اليوم السعيد أنصحك بتجاهل كل ما كُتب في الوصف الوظيفي والتقديم على الوظيفة بكل ثقة .. غالباً سيكونون محتاجين منذ البداية لمن يسحب لهم السكانر لا أكثر.