لا تكاد تخلو حياة كل انسان من حلم ما وهي إحدى الطرق الجيدة لاعطاء بعض الايجابية لها .. الأحلام تعلمك كيف تصبر على الظروف القاسية التي قد تأتي فجأة أو قد تكون موجودة دائماً .. شيء يبقي بعض الأمل في قلبك حتى إن كان خافتاً.
ولو استطعت وضع خطوات لتحقيق هذا الحلم فعندها يصبح الحلم هدفاً قابلاً للتحقيق ولا يبقى مجرد فكرة ايجابية تساعدك على السير قدماً في الحياة لا أكثر ولا أقل.
ولكن هل نستطيع القول أن جميع أحلامنا هي .. بالضرورة .. أشياء تحقيقها كفيل بجلب السعادة !؟
وقبل أن تتهمني بالتوهان وبأن عليّ اشعال ضوء عال لكي أكتشف أنني يجب أن أكتب هنا عن إحدى ذكرياتي وأن هنا ليس المكان المناسب لاظهار الحكمة.
قبل أن تبدأ في ذلك سأقص عليك حالاً هذه الحكاية..
خريف عام 2005
كنت قد قضيت وقتها حوالي الثلاثة سنين في العمل وبدأت الأمور في الاستقرار .. كان راتبي وقتها جيداً جداً والحمد لله وكانت حياتي تسير في روتين معين لن أتوسع به الآن ولندعه لمناسبة أخرى.
في ذلك الوقت بدأت أفكر أن وقت الزواج قد حان .. لا تنسى أننا نعيش في تلك الأيام الخالية التي وضع فيها المجتمع لحياتك كشاب قالباً صارماً من المحطات من الصعب أن تحيد عنه .. المدرسة والجامعة والجيش والعمل ومن بعده الزواج وبناء أسرة .. وقليل من الناس من توقف عند إحدى تلك المحطات ونزل ليجلس على أحد المقاعد لتبوأ بعدها جميع محاولات اقناعه بالركوب مرة أخرى بالفشل.
هناك من اختصر تلك المحطات بالعمل والزواج .. هذا قالب آخر يصلح للبعض وبالعموم ستكون النهاية غالباً ومهما طال الوقت هي الزواج.
هكذا بدأت القوى الفاعلة في العائلة والمحيط الملاصق بالتحرك نحو هذا الهدف .. لي حكاية أخرى صغيرة طريفة بهذا الصدد سأحكيها لك فيما بعد إن شاء الله.
من بين تلك التحركات كان هناك تحرك لزميلة لأبي في العمل .. كانت صديقة لعائلة موظف يعرفه أبي معرفة اعتيادية من بعيد .. وأخبرت تلك الموظفة أبي أن لديهم فتاة بعمر مناسب .. لم أعد أذكر نوع دراستها .. وأنه من الأفضل قبل أن يتم أي شيء بشكل رسمي أن ألتقي أنا بالفتاة في مكان ما ونتبادل بعض الأحاديث.
وكان المكان الذي تقرر اللقاء به هو بيتنا بحيث تزورنا تلك العائلة لأجلس مع الفتاة في زاوية بعيدة عن الاستماع لنتحدث.
والحقيقة أن الهدف الحقيقي لهذا التحرك الاستباقي هو أن الفتاة لم تكن متحجبة .. أتكلم عن غطاء الرأس هنا تحديداً .. لذلك كان عليّ اكتشاف ما اذا كانت مستعدة لأن تتحجب أم لا .. ترددت في البداية لأن لا أحد يستطيع التأكد من التزامها المستقبلي بأي قرار ستتخذه في هذا الشأن.
ولكن ولأن الجميع بدؤوا يخبرونني بتلك الحكايا عن كثير ممن تحجبن بعد الزواج فقد وجدت نفسي أقف مع عائلتي لنستقبل في عصر أحد الأيام تلك العائلة ومعها الفتاة طبعاً .. ظاهرياً كانت لابأس بها أبداً ولكني لاحظت بعض الجمود في نظراتها ولم أدقق في الأمر كثيراً .. هذا لقاء شبه رسمي بالنتيجة ولا أحد سيطلب منها أن تبتسم أو تضحك مثلاً .. هذه أشياء تلقائية.
وسرعان ما رأيت كرسيين وطاولة يوضعان على شرفة الصالة الضيقة التي اتسعت عرضها لنا بالكاد وجلسنا أنا وهي هناك بينما جلس أهلنا في الصالة في مكان غير بعيد عنا.
بدأ الحديث بشكل اعتيادي .. وأنا لم أكن من ذلك النوع الذي يعرف .. عن تجربة .. الأحاديث الصالحة للكلام مع فتاة تلتقيها لأول مرة .. لذلك بدأ الأمر كالتالي .. شخصان لا يعرف بعضهما البعض يتحدثان بأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع.
كنت أشعر ببعض الخجل في البداية ولكن سرعان ما كسرته لأني خشيت أن تنتهي الجلسة من دون أن أتحدث بموضوع الحجاب .. بدأت بالكلام عن أهمية الحجاب بالنسبة لي وبأنني أريد ممن أتزوجها أن تتحجب .. بدا بعض الضيق على وجهها وردت عليّ بهدوء بأنه من الأفضل أن أعطها الوقت لكي تفكر بذلك لكي يكون قرارها عن قناعة وبعيداً عن أي ضغوط .. رددت عليها بأنني متفهم لما تقوله وبأن فترة الخطبة .. إن حدثت .. ستكون وقتاً ملائماً جداً لأخذ هذا القرار على أن تكون قد تحجبت .. لو أرادت ذلك .. قبل الزفاف.
وأنا تعمدت أن أقول ذلك صراحة حتى لا تتحول الخطبة الى استدراج لي يجعلني أوافق على تأجيل الحجاب لبعد الزواج لأن التأجيل وقتها سيتحول الى أمر واقع.
هنا بدأت الفتاة بتغيير الحديث الى سؤال حول الأماكن التي أرغب برؤيتها في العالم .. أخبرتها بأني أرغب بزيارة مصر والسعودية .. أخبرتني أنها تهيم حباً باليونان البلد الممتلئة بالآثار والأماكن الأثرية التاريخية وبأنها تحلم بأن تذهب لهناك في يوم من الأيام.
وأنا حسبت أن سبب إثارتها لهذا السؤال هو رغبتها بايصال رسالة غير مباشرة لي بأنها ترغب بأن نقضي شهر العسل في اليونان .. ابتسمت في سري وتابعت الاستماع لها ..عن أي يونان تتحدثين !؟ .. سيكون انجازاً كبيراً لو أُتيح لنا أن نقضي شهر العسل في اللاذقية يا فتاة.
انتهت الجلسة وغادر الضيوف .. وبعد عدت أيام أتانا الخبر اليقين الصادم عن طريق صديقة العائلة المشتركة ..
لقد تبين لعائلة الفتاة الكريمة .. وللفتاة طبعاً .. أننا عائلة رجعية مهتمة بالتفاصيل عديمة القيمة !!!
قالتها زميلة أبي في العمل في حرج وهي تداري ضحكها .. الواقع أننا استقبلنا الخبر بضحكات عالية .. وكان الأمر المثير للدهشة أننا لم نلاحظ أي علامات لتقدم عائلة الفتاة وفقاً لأي ميزان اجتماعي حتى إن كان ميزاناً مكسوراً.
ويبدو أن مقياس التقدم لدى تلك العائلة هو عدد خصلات الشعر التي تستطيع النساء اظهارها !!؟ .. بالطبع لكل شخص الحرية في عمل ما يريد وحتى الخالق سبحانه وتعالى شاء أن يترك كل الخيارات للبشر ولكن بعد أن دلهم على الطريق المستقيم وأخبرهم بأن هناك يوم قادم لا محالة سيحاسبون فيه عن كل صغيرة وكبيرة قاموا بها.
وحتى لو افترضنا أن تلك العائلة لا تؤمن بهذا كله فمن الواجب على كل تقدمي حقيقي مزعوم أن لا يهاجم .. على الأقل .. معتقدات من حوله .. أما أن يعتمد توصيفه لنفسه على المظهر فقط فهذا مقياس بائس وعجيب.
مرت سنوات كثيرة على تلك الأيام وجاءت الثورة السورية وتلك الأمور المؤسفة التي أدت لهجرة الكثير من السوريين لأوروبا مروراً باليونان تحديداً.
لا أعلم إن كانت تلك الفتاة قد خاضت تلك التجربة وفرت من سوريا عبر اليونان ..
قد يكون هذا قد حصل أو قد لا يكون.
ولكن الأكيد .. بكل الأحوال .. أنها اكتشفت أن اليونان .. بالنسبة للسوريين على الأقل .. لم تكن هي أرض الآثار والأماكن التاريخية.
الأحلام أمر جميل ومن حق كل منا أن تكون له أحلامه الخاصة .. وليس المهم تحقيقها من عدمه .. المهم هو كيفية تحقيقها.
قد تحلم طوال الوقت بأن تقضي في وقت ما سهراتك اليومية في ذلك المطعم الشهير الذي لا يستقبل سوى علية القوم.
وقد تقضي سهراتك اليومية فعلاً هناك ولكن كجرسون يعمل فيه.
هكذا تستحيل أحلام البعض الى كيفيات لا تمت للأحلام بصلة !؟.
راق لي تصور انها قد تذهب الى اليونان نازحة. لقد استرحت من هذه العائلة التافهة.
هو كذلك … الحمد لله أنني استرحت منهم منذ البداية … عموما لو حدث وذهبوا لهناك فأعتقد أن هناك العديد من الأمور التي ستشغلهم أكثر من التقدمية أو الرجعية … أوروبا ليست أرض الاحلام لأي أحد
رائعة. هذا ما حدث معي أيضا😅
يبدو أن التقدميين يتكاثرون زيادة 🙂
خيراً فعلت بصراحتك لأن الزواج يجب أن يبدأ ويعرف الطرفان توقعات الآخر، هناك ما يمكن التنازل عنه وهناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها والأفضل عدم الإقدام على الزواج إن كان طرف يريد تجاوزها، أما رفض الفتاة فهذا شأنها لكن لم إضافة الإهانة للرفض؟ كان بإمكانهم قول بأنه ليس هناك نصيف ويكتفون بذلك.
أسأل الله لهم ولنا الهداية والثبات.
أما الأحلام فمن تجربة أعرف أن تحقيق بعضها يسعد الفرد لفترة ثم ينتهي تأثير ذلك، عليه أن يبحث عن حلم آخر وهكذا لا يكف الفرد عن السعي، وأحياناً تحقيق حلم يجعل الفرد يندم على ذلك، في النهاية نحن لا نعرف ما الذي كتب لنا وعلينا الرضا بما قسم الله لنا، وجدت في ذلك الطمأنينة 🙂
نعم ونحن تعجبنا وقتها من هذا التهجم الغير مبرر أبداً … بالاضافة الى كلامك نحن لم نقصر معهم في واجب الضيافة … وهذا واجبنا بالتأكيد … فلم يكن من اللائق أن يصدر عنهم هذا الكلام.
بالنسبة للأحلام قد يحقق الله أحلام الناس بطرق لا تخطر على بال … أعتقد أن الأمر متعلق بالنوايا والهدف الحقيقي الخفي من حلم ما … الأمور التي يخفيها الناس أحياناً ولا يصرحون عنها قد تكون السبب بوقائع قادمة لا تسرهم … نحن لا نعلمها والله يعلمها … كتب الله لنا ولكم أياماً سعيدة