أحاديث الشُرفات

أحاديث الشُرفات 22

الصورة من تأليفي بواسطة : Adobe Firefly

مرحبا بك يا صديقي

الربيع والخريف هي مواسم للجلوس في الشُرفات .. تلك البرودة المنعشة التي تملأ فؤادك بالراحة والسلام .. مشروب ساخن وقطعة حلوى صغيرة وكثير من الهدوء.

وأنا جالس عالى الأريكة التي تستعد لسبات شتوي قادم وقد اقترب خروج غطائها البلاستيكي من مكانه.

مشاهد مواجهة غير مألوفة نسيناها من زمان ومشاهد قتل ودمار نعرفها وجربناها بعد أن كنا نظن أنها بعيدة عنا .. هناك من لا يريد لنا أن نذوق طعم الراحة والأمان .. لكن الدنيا دوارة .. وسيأتي يوم لن يختلف حالهم كثيراً عن حالنا.

الدنيا دوارة .. ولكن لا يوجد من يتعظ.

مرحبا بك يا صديقي مرة أخرى

حالة اغماء

ساعات الصباح الأولى تمضي ببطء وأنا واقف داخل باص النقل العام أرمق تفاصيل الشوارع في صبر وملل .. الباص ممتلأ بالطلاب بنظراتهم المنغلقة التي تشي بشعور روتيني قاتل .. النوافذ مغلقة وهناك درجة ما من الحر داخل الباص.

وأنا أقف في الفسحة الموجودة وسط الباص أتمسك بإحدى الحواف المعدنية المنتشرة هناك والتي لا تدرك قيمتها في ضمان أن تبقى واقفاً بشكل عمودي إلا عندما يضغط السائق الفرامل فجأة وبقوة.

بجانبي كانت تقف فتاة في العشرينيات .. تضع معطف جينز على كتفها وتقوم بتعديله باستمرار.

الطقس حار الى حد ما ووجوه تصعد وأخرى تنزل من الباص المقترب باستمرار من محطة نزولي.

فجأة جلست الفتاة على ركبتيها .. هززت رأسي بتفهم .. المشوار طويل ولا بد أنها متعبة خاصة أنها كانت موجودة في الباص قبلي .. مشوار طويل حقاً و ….

هنا مالت الفتاة وارتطمت بساقي ثم سقطت على الأرض.

لثوان لم أعرف ما جرى بالضبط .. ثم جلست على ركبتي محاولاً إجلاسها .. شعرت بالارتباك وأنا لا أدري كيف سأمسكها من دون أن تمس يداي مكاناً لا يصح أن تمسه في جسمها .. هنا تطوعت إحدى الواقفات برفع رأسها قليلاً فأكملت رفعها حتى استقرت بوضع الجلوس على الأرض.

ثيابها البيضاء لم تعد بيضاء جداً .. كان هاتفها قد سقط هو وقلم كانت تمسكه فمددت يدي وأمسكته هو والقلم قبل أن يطأه شخص ما وأعطيته لإحدى الطالبات الواقفات حولنا.

كان الباص قد توقف تماماً وسأل السائق إن كان الوضع يستدعي نقلها للمستشفى.

نظرت الى وجهها .. كانت عيناها نصف مفتوحتين .. شعرت بالرعب من المنظر وخشيت أن تكون قد ماتت.

لم يكن معي ماء أو عطر ما ولا أعرف شيئاً مفيداً عن الاسعافات الأولية .. لكن حمد لله كانت الفتيات حولنا قد بدأن بمحاولة إيقاظها وهناك من قامت برش الماء على وجهها ورأيت حركة بسيطة في ملامح وجهها .. لم تكن ميتة على الأقل.

بقيت أمارس دور الممسك ولم يكن الوزن هيناً .. جسم الانسان ثقيل خاصة في مثل هذه الحالات.

بدأت الطالبات يلتففن حولها أكثر فتركت مهمة امساكها لهنّ .. بدأت تستفيق وأعطت احدى الجالسات مقعدها لها.

هنا كان هميّ أن تعيد تلك الطالبة الهاتف لصاحبته وهذا ما تم فعلاً بعد أن تأكدت أنها أصبحت على ما يرام.

ثم نزلت في الموقف التالي وتطوعت إحدى الطالبات بأن توصلها لمكان ذهابها.

شعرت بالراحة لأن الأمر قضي بإغماءة .. لكني شعرت معها بحزن من جراء تلك الحادثة .. الحياة في المدينة تحول الناس لغرباء وحيدين بحيث أن عليهم بمفردهم مواجهة تلك الاحتمالات الخارجة عن المألوف والتي قد تحدث معهم في وقت ما.

عن سورة الصف

عندما كنت في إحدى مراحل الدراسة المبكرة كان كتاب الديانة يحوي آيات قرآنية من سورة الصف .. وكنت أظن أنهم وضعوا هذه الآيات من تلك السورة تحديداً في كتاب الديانة لأننا كنا فعلياً في صف فهذه التسمية كانت مستعملة في سوريا للدلالة على المرحلة الدراسية .. الصف الأول .. الثاني .. وهكذا.

ومضت الأيام والسنوات وجلست مرة أقرأ سورة الصف وتذكرت هذه الذكرى وابتسمت .. كان قد خطر لي تفسير لعلاقة سورة الصف في ذلك الصف الذي كان يقع ضمن مدرسة تقع ضمن دولة قديمة كانت تسمى بسوريا الأسد.

كنت وقتها عند هاتين الآيتين ….. بسم الله الرحمن الرحيم

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ (3) .. صدق الله العظيم.

قراءات

مازلت أقرأ كتاب تاريخ الغطرسة ولم أنتهي منه بعد .. أقرأ كل أسبوع عدد من الصفحات وأقرأ بشكل شبه يومي أعداد سلسلة فانتازيا بشكل متسلسل عن طريق تطبيق أبجد .. وبشكل متفرق بضعة كتب بواسطة نفس التطبيق منها كتاب الطاهي يقتل والكاتب ينتحر.

شاهدت منذ أيام غلاف رواية آلهة أمريكية لنيل غيمان .. قرأت بدايتها فأعجبتني .. سألت عدة مكتبات عن سعرها واكتشفت أنها موجودة عند مكتبة واحدة بسعر مرتفع .. راسلت أبجد فوعدوني بأن يقوموا بتوفيرها عند أقرب فرصة ممكنة .. لطفاء كعادتهم وأسلوبهم في الحديث مهذب ومحترم جداً.

معدل قراءتي يزداد باستمرار في الأيام الأخيرة والحمد لله … السبب بسيط : كما ذكرت من قبل حذفت كل التطبيقات الاجتماعية بالاضافة الى يوتيوب الذي استبدلته ببديل مفتوح المصدر وخالي من سلبياته من هاتفي ولم يبق فيه سوى تطبيق أبجد .. هكذا وظفت العوارض الادمانية التي تدفعنا للامساك في الهاتف وفتح مواقع التواصل وتصفحها بلا هدف أو فائدة … بدلاً من ذلك بدأت بتشغيل تطبيق أبجد وقضاء الوقت في القراءة.

هكذا مددت لساني الى السادة حيتان التقنية الذين يستعملونها كسوق لاعلاناتهم وأداة لكي لا تتوقف نافورة النقود عن العمل.

…………………….

الأوقات السعيدة عادة ما تنتهي بسرعة.

حلّ وقت الوداع.

سعدت بلقاءك اليوم وأنتظر زياراتك دائماً.

الى لقاء آخر.

4 Comments

  • Muaad

    مثل هذا الموقف سيء والحمد لله أن الفتاة سليمة
    جميل أنك تقرأ أكثر، هذا يعني أنك ستكتب أكثر.
    لا تتوقف عن التدوين.

    • عامر حريري

      نعم سيء خاصة أن استجابة الناس لمثل هذه الحوادث أصبحت بطيئة في ظل توسع الفردانية … والحمد لله أنني لم أجد نفسي لوحدي في هذه المشكلة
      أريد أن أكتب أكثر ولكنك تعلم … المسؤوليات والتعب المتولد عنها … الله المستعان
      شكراً على تشجيعك الدائم معاذ 🙂

    • عامر حريري

      كتاباته ساخرة ومريرة قرأت بعضاً منها … كان معروفاً لدينا منذ زمن من خلال ما كان يقدمه ياسر العظمة في مرايا وغيرها

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *