حكاية مبنى في باب الحديد

حكاية مبنى في باب الحديد – الشوارع حكايات

الشوارع حكايات … *

الشوارع كائنات حيّة ثابتة الشخصية بقدر حياة ووجود سكانها الأصليين …

الشوارع تشبّ وتشيب وتهرم ولا يميتها سوى الهجران والصمت …

الشوارع مليئة بالحكايات … بشرط وجود العِشرة والأبواب المفتوحة …

غير ذلك .. تتحول الشوارع الى شوارع غرباء .. الى شوارع ميتة.

الشوارع قلوب مفتوحة تحوي ذكريات وأماكن وصور وروائح ..

الشوارع تحوي أشباح المغادرين وأصواتهم العالقة في ذاكرة المكان …

كان أول لقاء لي مع ذلك الشارع في أحد أيام الشتاء الممطرة .. كان ذلك في أحد أيام رمضان .. العصاري المعتمة ولفحات الهواء الباردة .. طلاب المدارس السائرين والراكضين صوب بيوتهم .. السيارات الغادية والرائحة لا تكف عن التزمير المتواصل المزعج.

أنزلتني السيارة عند دوّار باب الحديد .. في ذلك الوقت لم أكن أعرف المنطقة رغم وجودها في مكان حيوي قريب جداً من وسط المدينة .. كنا نمر عليها أحياناً أثناء انتقالنا بالمواصلات من مكان لآخر .. كانت هذه أول مرة تلمس قدماي شوارعها.

قدرت أن عليَ الذهاب نحو الشارع اليميني من جهتي لأعبر الى وسط المدينة حيث كان عليّ أخذ المواصلات من هناك لأصل للبيت .

أخذت أسير بتمهل متأملاً ملامح الشارع القديم ..

هناك على الزاوية في بداية الشارع هناك مبنى قديم .. وكل المباني هنا قديمة .. كان المبنى يحوي عبّارة مشاة عريضة عالية السقف تُوصل السائر الى الشوارع الخلفية .. بعدها بعدة خطوات كانت هناك أرض خالية وراء موقف الباص .. قيل لي فيما بعد أنها كانت تحوي محلاً لصيانة اطارات السيارات وفوقه كان هناك مجلس لأحد العائلات التي تسكن المبنى ..

أي مبنى !!؟ .. صبراً وستعرف المزيد لاحقاً.

مقابل موقف الباص كان هناك محل يبيع اللبن والحليب على جانبه صيدلية قديمة من تلك الصيدليات التي كان يُركب الدواء بها في الأيام الخالية .. بعد الصيدلية كانت هناك طاحونة قديمة مقفلة الأبواب بجنزير حديدي ضخم.

بعد موقف الباص كان هناك محل بيع مواد بالجملة يليه عدة محلات .. هناك عدة أشجار قديمة منتشرة على طول الشارع من تلك النوعية التي تملأ المكان بأوراقها عند بداية الخريف .. لذلك عليك أن تكون حذراً أثناء مرورك هناك حتى لا تجد نفسك ممدداً على الأرض وقد تلطخت بالأوراق والطين.

وعلى الطرف الآخر هناك عدة محلات كانت تبيع الأخشاب فيما مضى قبل أن تتحول لبيع خزانات المياه المعدنية والبلاستيكية فوقها كان يوجد تلة كبيرة من حجر الحوّار تبدأ بفتحة مغارة أثرية وتحوي مقبرة قديمة تمتد على طول بقية طرف الشارع وتغوص للداخل نحو الطرف الآخر حيث يوجد سكن من بيوت قديمة .. عموماً هي خارجة عن موضوعنا.

في أسفل التلة كان هناك جامع قديم بعده بضعة محلات .. وعلى الطرف الآخر من منتصف الشارع حتى آخره امتدت عدة مبان قديمة .. وجميع المباني هنا قديمة .. من بين هذه المباني كان المبنى الذي نقصده والذي هو مسرح حكايتنا.

قد يسألني البعض : ما دام ذلك المبنى هو مسرح حكاياتنا فلم تركته ورحت تصف الشارع !؟

لهم أقول : لأن المبنى هو أحد الشخصيات الرئيسية للشارع وأن لا مبنى من دون شارع أساساً .. وهو استمد خصوصيته من وجوده في هذا الشارع بالذات ..

المباني مثلها مثل البشر تستمد مصائرها وحيويتها وأهميتها من عدمها من مكان نشأتها.

وحكاياتنا مترعة لذلك قد تتسلل بعض أحداثها الى خارجه لتصل الى الشارع .. ومدخل المبنى يقع ضمن الشارع كما لكم أن تعلموا.

الشوارع حكايات يرويها العابرون ..

حكايات مرسومة على شبابيك البيوت وفي الممرات وعلى الأرائك والأسطحة ومواقد الطبخ.

حكايا تبقى معلقة بالهواء بانتظار أصحابها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ذكرتني هذه العبارة بعنوان قصيدة لصلاح جاهين بعنوان ” الشوارع حواديت ” .. لا أعلم إن كان قد خطرت لي لا شعورياً من خلال توارد الخواطر وتراكم القراءات لذلك أذكر هذا من باب الأمانة.

2 Comments

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *