تنافس مرة معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص حول من أكثر ذكاء من الآخر.

قال معاوية : لم أدخل في مشكلة إلا وخرجت منها سالماً .

قال عمرو : أعرف تماماً حين أرى المشكلة قادمة من بعيد كيف أتجنبها لذلك أنا لا أدخل من الأساس في أية مشكلة.

هكذا فاز عمرو بن العاص في هذه المنافسة بجدارة.

الدنيا .. كما تعلم .. مليئة بالمشاكل بأشكال وأنواع متعددة بحيث يكون من الصعب جداً عدم الوقوع في أحدها، أحياناً تكتشف أنك واقع فعلياً في مشكلة ما بحيث تكتشف فجأة أنك في قلبها وتفكر حائراً بكيفية وقوعك بها.

المشاكل تسبب الأذى بشكل حسيّ .. أو على أقل تقدير .. ستعلق في ذهنك ولا تكف على إزعاجك طوال النهار وسكب أطنان من الهموم على كاهلك، فتتنهد وتفكر في تلك الأوقات السعيدة التي كنت فيها بعيداً عن كل هذا وتبدأ في كيل الشتائم لحظك الأسود الذي ورطك بهذه الإزعاجات بعد أن كانت أيامك جميلة كثوب معلّق على واجهة إحدى المتاجر الغالية .

الحقيقة أن حظك لا دور له هنا لأن من يتسبب بالمشاكل هو أنت وتصرفاتك الغير محسوبة وليس حظك سيء الحظ.

الخبر الجميل هنا أنه توجد ممارسات معينة تستطيع من خلالها تقليل المشاكل في حياتك لأقل حد ممكن، ونسبة فعّاليتها تتعلق بصفاتك النفسية لكنها على الأقل ستحميك من الكثير من المشاكل والأمور المزعجة.

سبعة ممارسات ستجعل حياتك مريحة أكثر وسيكون لها تأثيرات جانبية إيجابية عديدة على عكس دواء وجع المعدة الذي قد يسبب لك وجعاً في المعدة.

الممارسة الأولى : تحدث قليلاً .. استمع كثيراً

ليس هناك أكثر فعالية من الكلام لجلب المشاكل، وخاصة عندما تتكلم بشكل عفوي أو متعمد في أمور لا تفهم فيها وأحياناً يوقعك سوء التقدير في التفوه بكلمات تغضب من حولك، لاحظ أن طريقة تعبيرهم عن الغضب قد تأخذ أشكالاً مختلفة من الصراخ والشجار الفوري الى السكوت وتحين فرصة ما ليرد لك ما اعتبره إساءة له، أنا أعلم تماماً أنك لا تقصد ذلك ولكن ما العمل فقد وقع الذي وقع وانتهى الأمر ومن الصعب جداً إصلاح ما حدث ولن تنال في الغالب أي فرصة للتبرير من الطرف الآخر.

لذلك فالصمت المدروس هو أفضل حل لتجنب المشاكل، ليس المطلوب هنا أن تتوقف عن الكلام تماماً حتى يظن من حولك أن خرساً مفاجئاً قد أصابك أو أنك أصبحت غريب الأطوار ولكن حاول أن تخفف من وتيرة كلامك لتستغل الوقت في التفكير فيما ستقوله وعندها ستنتبه إلى أن العديد من الكلمات التي كنت على وشك التفوه بها ستتسبب لك بكثير من وجع الرأس، درّب نفسك على محاكمة ما ستقوله بشكل تلقائي وانتقي كلماتك بعناية وحاول أن تكون لطيفاً مع الناس، وحتى لو تطلب الأمر أن ترد أحياناً ردوداً قاسية فيجب أن تكون ردوداً مسكتة بحيث لا يتحول الأمر الى مباراة في تبادل الإهانات.

الممارسة الثانية : لا تتوقف عن الابتسام

الابتسام له مفعول سحري في القضاء على المشاكل، لا أقصد هنا طبعاً تلك الإبتسامة المتهكمة أو الساخرة التي هي على العكس تماماً مسبب قوي للمشاكل، بل تلك الابتسامة الودود التي تشعر من حولك بالراحة بحيث يغفروا لك الكثير من كلامك وتصرفاتك لأن عقلهم الباطن سيهمس لهم مراراً من حيث لا يدروا بأنه من المستحيل أن يقصد هذا الشخص ذو الإبتسامة المريحة أيّ شر أو إهانة.

الناس تحب الشخص المبتسم الذي لا يكف عن الإبتسام، الإبتسامة هي أشبه بتلك البودرة الكثيفة التي تخرج من أجهزة الإطفاء لتطفئ أي حريق في ثواني.

الممارسة الثالثة : كف عن الصراخ وتحدث بهدوء

الصراخ وسيلة فعّالة أخرى في جذب المشاكل، للدقة الصراخ هو مشكلة بحد ذاتها، ولا أتصور أن تشتعل مشكلة ضمن أناس يتكلمون بهدوء، الكلام الهادىء يتيح لك أن تعالج أي مشكلة من البداية وتمنع الطرف الآخر من أن يتصاعد غضبه، وحتى لو لم يكف هو على الصراخ فسينظُر له على أنه هو المتسبب في كل هذا وسيمنعك من اقتراف حماقات مماثلة بحيث يزداد الموقف سوءاً.

الممارسة الرابعة : لا تتدخل في ما لا يعنيك

هذا مستودع ضخم للمشاكل، أن تحسب أنك قادر على حلّ مشكلة ما فتتسبب في أن تكبر المشكلة أكثر وتجد نفسك في قلبها من دون أن تكون طرفاً أصيلاً بها، المساعدة وحب الخير أمور جميلة ولا شك بشرط أن تكون محسوبة، هناك حقيقة بسيطة ومؤسفة تقول أننا لسنا سوبرمانات ولا نمتلك طاقات غير اعتيادية لذلك لا تعتقد أبداً أنك تستطيع حلّ أي مشكلة لست واحداً من أطرافها، للدقة أنك في أوقات عديدة لن تستطيع حل مشاكلك أنت فلا تقحم نفسك بمشاكل الآخرين.

الممارسة الخامسة : تجاهل … تجاهل جداً

أكثر الأمور التي تجلب المشاكل هي الاستفزازات، الكلمات الساخرة وهزّات الرأس والأيدي والتنمرات التي قد يصاحبها أيضاً ضحكات متفرقة، هذه بداية ممتازة لمشكلة قد تُفضي غالباً الى المستشفيات ومراكز الشرطة وقد تتسبب بخسائر وستكتشف لاحقاً .. بعد فوات الآوان طبعاً … أن الأمر لم يكن يستأهل ردّة الفعل العنيفة تلك.

أريد أن أخبرك بحقيقة أخرى، البشر .. خصوصاً في هذه الأيام .. يملكون ذاكرة أسوء من ذاكرة الأسماك التي لا تملّ من النسيان، البشر .. مرة أخرى خصوصاً في هذه الأيام المليئة بالأجهزة الذكية .. يبحثون دائماً عن ترنّدات جديدة وينسون القديمة بسرعة، لذلك لن يعلق بذهنهم أي خبر هو جزء بالنتيجة من أكوام الأخبار التي تتدفق على عقولهم كل يوم.

لذلك لا داعي أبداً لأن تشعر بأنك مستهدف، ولا تنسى أن أفضل رد على أي متنمر أو تافه هو تجاهله بشكل مطلق، هذا سيدفعه للجنون فقد حسب أنه فعل أقصى ما لديه لكي يستفزك وجهّز كل شيء لكي يسمع الضحكات والتعبيرات التي تشعره بالإنجاز والأهمية، ثم تأتي أنت وتسكب الماء البارد على كل شيء، هذا أشبه بإعادة رمي قنبلة نحو صاحبها لتدمر شعوره الزائف بالتفوق.

الممارسة السادسة : اهرب .. اهرب بسرعة

تستطيع العديد من الكائنات الحيّة التنبأ بالكوارث الطبيعية قبل وقوعها فتبادر بالهرب وهي تطلق الصيحات المحذرة، للأسف لا يستطيع الإنسان بأن يشعر بالزلازل مثلاً قبل وقوعها بوقت كاف ولكنه على الأقل يستطيع الشعور بقدوم المشاكل في وقت مبكر.

هناك شعور غامض ينتابك في أوقات معينة ويصرخ في عقلك بأن مشكلة على وشك الوقوع في الدقائق القادمة، هذا الشعور يتولّد من جراء نظرة معينة صادرة من الطرف الآخر أو نبرة صوت غير طبيعية أو حتى كلمات غير مريحة مع أنفاس تتسارع باستمرار، هذه مؤشرات قوية لمشكلة قادمة.

هنا كل ما عليك فعله هو أن تهرب بعيداً، تحجج بأي حجة تخطر لك مهما بدت بلهاء ومضحكة، أنت تسابق الوقت فلا قيمة لأي شيء سوى بأن تنجح في الهرب، قل له أنك ذاهب لدورة المياه وأن هناك مشاكل تتعلق بروائح كريهة قد تحدث لو تأخرت ثانية واحدة، ستسمع ضحكات من حولك فتجاهلها كما أوصيتك في الممارسة الخامسة واركض نحو منطقة الراحة، عندها سترتد عليه تلك القذائف الذي كان يجهزها لتنمهر عليك أو ستسقط خائبة حوله.

الممارسة السابعة : اختر من حولك بعناية

هذه آخر ممارسة وواحدة من أهم الممارسات التي أخبرتك بها، هناك أشخاص لديهم استعداد دائم لصنع المشاكل، حاول أن تبتعد عن هؤلاء لكن بطريقة غير مستفزة ولا تجلب لك مشكلة بحد ذاتها.

قد يكون هذا صعباً عليك وخاصة لو كانوا في محيط مفروض عليك كمحيط العمل، ولكنك مع الوقت ستدرك التقنيات اللازمة لتجنّبهم وتجنّب أن تتواجد حولهم في الأحداث التي تثير غضبهم وعندها … على الغالب .. ستنجو.

حتى لا تخترع العجلة

هذه هي نصائحي لك، لا أضمن لك أن تعمل دائماً فالحياة معقدة بما يكفي لكي نظن أننا نستطيع وضعها في قوالب جاهزة، ولكن على الأقل هناك طرق مجربة تستطيع استعمالها وأنت شبه مطمئن بأنك على الأقل لم تحاول اختراع العجلة، لقد اخترعوها من قبل للأسف ولكم كان من الرائع أن نخترعها نحن.