كان ما حدث في السابع من أكتوبر فريداً حقاً .. هذه من المرات القلائل في هذه المنطقة التي لم نلعب خلالها دور الضحية بالكامل .. الواقع أن لا أحد طبيعي .. وما أكثر من هم ليسوا طبيعيين … يحب مشاهد الرصاص والقتل ولكن الأمر يتم دوماً على هذا النحو : عندما يقتلوك ويهجرونك فهذا حدث عادي لا يستحق أن يعرض على نشرة أخبار ما .. أو قد يعرض لكي ينسى بعد فترة .. لكن عندما تقتلهم فالويل لك.
هذا الأمر يتكرر كثيراً معنا وبأشكال ومع جهات مختلفة سواء كانت تلك الجهات نظاماً شمولياً سفاحاً كذلك النظام القابع في دمشق أو ذلك النظام السفاح الديمقراطي الذي أنشأه من ساعد على إنشاء النظام القابع في دمشق .. المصدر واحد كما ترى وما دمت معدوداً كقوة عظمى فلك مطلق الحرية في أن تفعل ما تريد لتحقق مصالحك .. لا وجود للأخلاق هنا .. هي ليست موجودة منذ البداية.
تتقلب مشاعرك بين الرضا من حقيقة أن مقاومة المحتل لم تنتهي بعد في فلسطين ثم تدخل بعدها في دوامة من الصدمة من المشاهد التي أصبحنا نراها ليلاً نهاراً .. المشاهد التي تفوق قدرة الانسان على التحمل ..
الحقيقة أن ما يفوق القدرة على التحمل أيضاً هو ذلك الوجه الوقح زيادة عن المألوف التي واجه به المتسلطون في الغرب ردود الأفعال الغاضبة عما يجري في فلسطين .. الوجه الذي كفّ عن التظاهر بالحرية والوداعة عندما شعر أن التركة الثقيلة التي تسببت بها سفالاته والتي تخلص منها عندنا في خطر.
ماذا أفعل !؟ .. هذا السؤال خطر لي أنا أيضاً بطبيعة الحال .. وكشخص ينتمي لجيل الثمانينات الذي رأى الكثير حقاً وخاف كثيراً أيضاً كان هذا السؤال مناسبة لانبعاث أكوام من الحيرة في نفسي.
هل أفرغ غضبي في المواقع الاجتماعية !؟ .. هذا خيار لا بأس به وفعّال لحد ما .. المشكلة أن تلك المواقع هي دفاترهم وأوراقهم هم لذلك بدأ فايس بوك ومن معه بممارسة دور الأخ الكبير الذي يراقب كل شيء وهذا أصبح سهلاً في زمن الخوارزميات ولو كان جورج أورويل حياً لشعر بالصدمة من كون روايته عن ذلك العالم الذي يحكمه الأخ الكبير قد أصبح حقيقة أكثر كابوسية مما كتبه … الحمد لله أن تويتر الذي أصبح إكس قد أصبح ملاذاً للغاضبين حتى الآن وإلا لكان هذا تأسيس لموت الكثيرين فيما بعد بداء الضغط والسكر.
هل أكتب في مدونتي !؟ .. الواقع أن ذكرى معينة طفت في ذهني عندما خطر لي ذلك .. تدوينة قرأتها لأحد المدونين العرب المشهورين الذي تم ايقاف موقع شخصي له في سنوات الألفية الحالية الأولى عندما كتب كلاماً ما لم يعجب مزود الخدمة .. أذكر أن ساعي بريد ما أتى اليه ليسلمه خطاباً منهم يعلموه بأنهم قاموا بإيقاف خدمته بطريقة تعسفية من دون أي تحذير.
هنا أدركت أن الأخ الكبير ليس موجوداً فقط في رواية جورج أورويل أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي .. هناك أخ كبير موجود في داخلي ولا أعتقد أنني الوحيد بهذا الصدد .. الأخ الكبير الذي أوجدته سنوات الحياة الطويلة داخل مجتمع يقوده نظام قمعي وضع أذاناً على الجدران وحقن الخوف المبهم والغير مبرر في لحوم البشر.
ذلك الخوف الذي يمنعك من فعل شيء ما لأن شيء ما سيء سيصيبك لو فعلت أي شيء ما ..
وعدم فعلك لشيء ما لن يحميك من أن يصيبك شيء ما وهذا ما أثبتته الأيام .. الواقع أن عدم فعلك لشيء ما سيكون سبباً كافياً لكي تصاب بما هو ألعن من تلك الأشياء التي يصاب بها من حولك اليوم.
هل تريد اثباتاً ما !؟ .. جميل .. هل تذكر ما حدث للعراق في بداية الألفية الحالية ؟ .. اعتقدنا وقتها أن ما سيحمينا هو جلوسنا في مقاعد المتفرجين والواقع الحالي أثبت لنا أن لكل دوره وأن الجميع سيصعد الى المسرح في يوم ما لكي يُفعل به بطريقة أسوء مما فُعل بمن سبقه.
واذا لم تصدقني فاسأل النازحين التي امتلئت بهم الدنيا ما سلكهم في الزوارق معرضين أنفسهم للموت والغرق.
هل تعلم لم امتلئت الدنيا بأولئك النازحين ؟ .. لأن من يريد أن يقوم ويفعل شيئاً ما فالويل له إن لم يكمل هذا الشيء حتى النهاية .. وهذا بالضبط ما يقوم به المقاومون في غزة .. يكملون ما قاموا ليفعلوه .. ومهما كانت النتيجة فهم فعلوا وسيفعلون ما بوسعهم .. لا تنسى أن الدنيا لا تسير بعشوائية كما يظن البعض وأن لها خالقاً تمضي الأمور بمشيئته.
فلسطين مُحتلة منذ زمن طويل .. والصهاينة وحوش لا أخلاق لهم .. ولا يفهم الوحوش سوى لغة القوة.
التعليقات :