بدأت في المقالة السابقة في هذه السلسلة بالتحدث عن أنواع الموظفين وهي أشبه .. من وجهة نظري .. بأدوار مؤقتة تعبّر عن سلوك موظف ما في فترة زمنية معينة وفق ظروف ومكتسبات محددة لذلك هي ليست قوالب صلبة بل تتغير لأشكال متفاوتة وفق سلوك الموظف الذي وجد نفسه .. أو وضع نفسه .. في هذا الدور أو ذاك.
هذه الأنواع متعددة حقاً وعليك أن تمضي أعماراً في أماكن العمل لكي يحصل لك القرف وتراها رأي العين .. الحقيقة أن القرف هو أقل ما سيحصل لك وليس هناك ما يسر أبداً في هذا الكتالوج الذي هو أشبه باستعراض لتلك الكائنات الغريبة التي يقسم البعض أنهم رأوها في أماكن مختلفة حول العالم بل والتقطوا لها صوراً تكتشف في كل مرة أنها غير واضحة ولا تثبت أي شيء.
لكن المختلف في كتالوج الموظفين أنه يضمّ شخصيات ملموسة تستطيع أن تلتقط لها صوراً واضحة لو صادفت أحدها .. هذا يعتمد فقط على قوة عدسة هاتفك وشغفك بإضاعة مساحة التخزين.
تحدثت في المقالة السابقة عن الموظف الصنم وهو نوع فريد أنصحك بأن لا تفوت فرصة التعرف عليه .. في المقالة وليس في مكان العمل.
مقدمة كافية وزيادة .. لنفتح كتالوج الموظفين ونقلب صفحاته.
الموظف المناضل
الموظفون هم كائنات بشرية .. نظرياً على الأقل .. يذهبون كل يوم الى مكان محدد يسمونه مكان العمل ليقضوا فيه وقتاً ما ليتلقوا أجراً معيناً جراء تأديتهم لمهام محددة .. نظرياً على الأقل.
هذا تعريف مبسط وشامل لماهية الموظف.
لكن !! … هناك من شعر بالاحباط ولم يعجبه هذا التعريف .. هناك من يعتقد أن الموظف يجب أن يكون صاحب رسالة ولا يكتفي بدوره الوظيفي .. على الموظف أن يكون ضد أي ظلم يقع في مكان العمل وأن لا يكتفي بتلك الهمسات التي تحدث في عتمة المكاتب والتي تجيد الأذان الكبيرة التقاطها وإيصالها للادارة.
من هنا ولد الموظف المناضل … الشلولخ الذي تراه يزئر ويجهر في كل مرة تتاح له فيها فرصة الكلام.
حكا لي أحد الأصدقاء أنهم كانوا يملكون واحداً من أولئك المناضلين في شركته .. وكان لذلك المناضل فقرة متكررة في كل إجتماع عام للموظفين يشكو فيها من تلك التجاوزات التي يفعلها البعض والتي تحيل حياة الموظفين لسواد ومرار وسخّام .. وكانت هناك آية معينة يكررها في كل مرة لا أحد يعرف ما علاقتها بموضوع الاجتماع تتحدث عن تلك القرية التي كانت آمنة مطمئنة وكفرت بعدها بنعم الله فانتقم منها بالجوع والخوف.
يتبادل الموظفون النظرات الصامتة وتتثاءب الادارة في ملل.
بقي الأمر كذلك حتى قررت الادارة أن الوقت حان لرمي العظمة … عُين الموظف المناضل براتب كبير في منصب إداري ما .. هنا توجه الموظف المناضل بثقة نحو ركن ما وخلع نضاله ورماه في أقرب سلة مهملات.
بقي السيد موظف التنظيفات بعدها وقتاً طويلاً وهو يزيل مخلفات نضاله.
هكذا أتيحت الفرصة لموظف مناضل آخر للظهور .. وهكذا دواليك.
التعامل مع هذا النوع من الموظفين بسيط جداً .. لا تتعامل معه إطلاقاً ولا تتورط بالاقتراب منه حتى .. هو يجيد اللعبة بعكس أولئك المساكين الذين دفعوا ثمن اقترابهم منه غالياً.
الموظف المذعور
هذا النوع شائع في أماكن العمل .. الموظف المتسع العينين .. بسبب الخوف وليس كمقياس للجمال .. القابع دائماً في عتمة القسم.
الحياة بالنسبة للموظف المذعور هي فيلم رعب لا ينتهي .. كابوس ضاع فيه بلا أمل.
يتفقد إيميله في بداية ونهاية الدوام وفي الصباح وقبل النوم ضاغطاً بيده على مكان ما من جسمه ليمنع احتمالاً قوياً لحدوث تبول لا إرادي لو ظهرت أمامه رسالة الاخطار بفصله من الخدمة.
يصاب بالرعب وارتخاء كامل في ركبتيه عندما يتجاهله المدير وهو يمرق بسرعة نحو مكتبه .. عند الموظف المذعور لا يوجد أي احتمالات لذلك سوى أنه فعل أمر ما أغضب المدير الذي هو بصدد كتابة ايميل يبلغ فيه الموارد البشرية بأنه أصبح من الشخصيات الغير مرغوب بها في قسمه وفي الشركة كلها.
هو صديق ملتصق بكل من يدعي أنه قريب من الادارة وأنه يملك مقعداً للسمع موضوع خلف حائط المدير الأعلى مباشرة .. يسأله دائماً عن الأخبار وعن نوايا الادارة لذلك هو جزء أصيل من شلة الأُنس ونشر الاشاعات.
الموظف المذعور كثير الشكوى ويجيد لويّ أي حديث ليمر عبر مخاوفه ومعاناته لذلك هو مكروه من بقية الموظفين لدرجة تزيد من أحواله سوءاً.
برغم أن هذا النوع من الموظفين محبب لدى المدير والادارة لأن خوفهم يدفعهم لعدم طلب أي شيء مهما كان صغيراً وتافهاً إلا أن تصرفاته نفسها ستكون سبب كاف لتحقيق مخاوفه في النهاية وكما يقولون : اللي يخاف من العفريت يطلع له.
مشكلة الموظف المذعور هو فقدان الثقة المزمن بنفسه وبقدراته وهو سيبقى هكذا مهما غيّر أماكن عمله حتى يغير من طريقة تفكيره ويشتغل على نفسه ويزيد خبراته ويفهم قبل ذلك أن قوة سيرته الذاتية وعلاقاته هي من ستجعله بأمان وأن الأرزاق بيد الله وليس بيد مديره أو الادارة.
أما بالنسبة لك يا صديقي فلا أنصحك بأن تقترب من أي من أولئك الموظفين المذعورين فأنت في غنى عن ذلك الكمّ المهول من السلبية التي ستتلقاها منهم .. قلبك الصغير لن يحتمل ذلك حتماً .. إلا إن كنت منهم لا سمح الله عندها لا أنصحك بسوى بالالتصاق به وتكوين تجمّع قومي للمذعورين .. المذعورون لبعضهم.
سأتحدث في المقال التالي عن موضوع آخر حتى لا يتحول الأمر الى سلسلة ممتدة داخل السلسلة الأصلية .. وسأعود لأتصفح كتالوج الموظفين في كل حين وآخر.
لا توجد تعليقات