قال لي مدير الموارد البشرية بعد أن أخذ رشفة شاي طويلة :

كنت وقتها أستعد للخروج من مكان عمل والذهاب الى آخر .. سألته عن كيفية النجاح بفعل ذلك وهل أنا مضطر للانتماء الى شلّة أصلاً !؟ .. والذي حدث أنه أخذ رشفة طويلة أخرى وابتسم بعدها ولم يرد.

الشلّة .. لمن لم يتعرف على الكلمة .. هي تجمّع من عدة أشخاص في مكان ما لسبب ما ولهدف ما.

الانتماء لشلة ما هو أمر طبيعي يفرضه عليك المكان وتفرضه عليك الظروف ودوافعك الشخصية .. هناك شلّة المدرسة وشلّة الجامعة وشلّة الأصدقاء وووو …. تجمع بشري بهدف اللهو أو الدراسة أو التسلية أو حتى ممارسة أشياء قد تمضي بأعضاءها نحو السجن أو ما هو أسوء.

في مكان العمل .. ككل الأمكنة على هذا الكوكب .. هناك شلل كما لك أن تعرف .. وهذا أمر طبيعي لأن البشر موجودون في أماكن العمل .. لا أعرف إن كان الأمر سيبقى كذلك في ظل وجود الذكاء الصناعي.

ولأنهم موجودين فمن الطبيعي أن تكون لديهم نشاطات اجتماعية معينة خارج نطاق مهام العمل ..

ولكن الغير طبيعي والذي صار طبيعياً في ما بعد بحكم العادة هو الدمج بين وقائع العمل ووقائع الشلّة .. دعنا نقل لمزيد من التوضيح .. توظيف مفهوم الشللية في تحقيق أهداف لها علاقة بالعمل.

بيني وبينك .. لا أعتقد أن المزيد من التوضيح قد حقق أي توضيح لذلك قد يكون الكلام التالي أكثر نجاحاً بهذا الصدد.

الهدف الرئيسي من وراء الانتماء لشلّة ما في العمل هو تبادل المعلومات .. الناس تحب معرفة ما يجري من حولها حتى إن كان ما تسمعه مجرد هراء وإشاعات .. أقاويل تحتمل الخطأ خير من العيش في المجهول .. الموظف عنده كمّ لا ينتهي من المخاوف وشلّة العمل تلعب دوراً في تهدئة تلك المخاوف .. بالاضافة الى أن هناك إدارات لديها ولع في إرسال مختلف الرسائل عن طريق الشلل ..

أي أنك ستصبح خارج مجال العديد من الأقاويل لو اخترت عدم الانتماء لأي شلّة ..

ولكن هل هذا ممكن حقاً !؟.. سأتكلم لاحقاً حول هذه النقطة.

انتماءك لشلّة ما يحدد هويتك واتجاهاتك في مكان العمل .. وقد يعطيك مكاسب معينة وحماية ما غالباً ما تكون مؤقتة أو يجعلك تتعرض لعدوات لا ذنب لك بها سوى أنك تمضي الوقت مع أحد أطراف الصراع .. هذا يحدث ولا تستطيع منعه بالمطلق .. ولكنه قد يأخذ بعداً كارثياً لو استحال الطرف الآخر الى جزء من الادارة أو من المحسوبين عليها.

بالمناسبة وكما لك أن تعلم .. هناك شلّة ادارية أيضاً .. القيادات العليا التي تحب التنزه مع بعضها كنوع من الاجتماعات التي تبدو وكأنها نشاط اجتماعي اعتيادي .. الادارات مغرمة في الاجتماعات لذلك سيتحول أي تجمع فيما بينها الى اجتماع بشكل لاشعوري.

هناك حقيقة جديرة بالذكر هنا أن أعضاء الشلّة الادارية ليسوا جميعاً أعضاء أصلاء .. هناك من نجح في حشر نفسه بينهم بشتى الحيل وهناك من يحاول دائماً حشر نفسه باستمرار بأمل أو بلا أمل.

لماذا يفعلون ذلك !؟ .. هؤلاء يا صديقي لديهم تصور أن وجودهم ضمن شلّة الادارة سيحميهم من أمور كثيرة وسيجعلهم أول الملتقطين حين تقرر الادارة رمي أي مكسب وإتاحته للجمهور.

والتمييز بين أولئك الأعضاء الغير أصلاء وبين غيرهم سهل وتستطيع أن تعرفه عن طريق سلوكهم لأنه لا يكفون في كل الأوقات عن التلميح لبقية الموظفين وتذكيرهم بموقعهم الخطير وبما يستطيعون معرفته وفعله بحكم قربهم من مركز صنع القرار.

بالنسبة للادارة فهؤلاء لا يسببون أي إزعاج … وبالعكس .. هم مفيدون جداً لأنهم يقومون بدور دافعي فواتير اجتماعات الشلّة ويقومون عند اللزوم بدور الصرف الصحي أيضاً بأن يكونوا واجهة للمهام التي لا ترغب الادارة بأن تظهر بواجهتها لكي لا يقع اللوم عليها في وقت ما … فلان فعل ذلك ونحن لم نكن راضين وقمنا بتأنيبه فعلاً.

كل هذا جميل .. ولكن لا بد .. كالعادة .. من وجود سؤال يسمم الأجواء ويفسد كل شيء.

ماذا سيحدث للأعضاء الغير أصلاء لو جاء وقت .. لا سمح الله .. وتغيرت الادارة ؟

هنا ستنهض إحدى المهارات لتتنحنح قليلاً وتعلن أن الوقت العمل قد حان ..

أتحدث هنا عن مهارة فريدة وهي فن القفز بين الشلل.

ألم تسمع بها !؟ .. هذا فن من فنون أوقات الطوارئ ولا يستعمل إلا عند ساعات الخطر ولا يجيده سوى عدد من الموظفين الذين يمتلكون صفات معينة أهمها امتلاك جلد سميك يستطيعون من خلاله عبور المرحلة الانتقالية أثناء خروجهم من شلّة الادارة السابقة الى شلّة الادارة الجديدة.

الجلد السميك سيعزلهم عن المحيط الخارجي وسيحميهم من أي شعور بالتفاهة أو التعرض لأي من تلك الآثار الجانبية التي يسببها تغيير المواقف وقيامهم بشتم من كانوا يمدحونهم مسبقاً.

حضرتُ مناسبة منذ سنوات وقف فيها أحد الموظفين وأخذ بمدح المدير بكلمات رقيقة باعتباره أبوه العطوف الكريم الذي لا يتوانى عن دعمه .. بعد عدة أشهر غادر ذلك الأب العطوف منصبه ليقف نفس الموظف بعدها بين شلّته الجديدة ليصف المدير القديم بأنه ابن ……

هنا كانت سماكة الجلد مفيدة جداً في حجب حقيقة أنه .. بشتمه أباه العطوف .. كان يشتم جدته أيضاً بطبيعة الحال.

أكثر من يجيد هذا الفن وينجح في تطبيقه هم العصافير من الموظفين .. ناقلي الأخبار والشغوفين بطق البراغي .. الادارة الجديدة ترثهم من القديمة باعتبارهم جزءاً من التركة .. أحياناً تقوم برمي الأحمق منهم الذي لم يمارس اللعبة بشكل جيد .. والباقي يعودون لاستئناف عملهم بشكل اعتيادي.

أحياناً يكون القفز على مستوى قسم بأكمله بحيث يصير الولاء جماعياً من المدير الى أصغر موظف .. حكا لي أحد الأصدقاء أنهم كانوا يمتلكون قسماً في الشركة التي يعمل بها وكان موظفو هذا القسم موهوبين في إعطاء فروض الطاعة لأعضاء الادارة بحيث كان العديد منهم يمضون الوقت بين ربوع القسم لينالوا حصص وافية من الدلال والتسلية وكان أكبر حصة منها تعود الى المدير بطبيعة الحال.

وجاء وقت لم يعد المدير يحمل هذه الصفة .. وأثناء تسليمه لمهامه أخذ يشكو أن موظفي ذلك القسم صارو يتهربون منه أثناء مرورهم من أمامه ولم يعد أحد منهم يلقي عليه أي من عبارات التحية سواء الاعتيادية أو الرفيعة المستوى التي كان يسمعها سابقاً.

ما كان عليه أن يلومهم لأن القفز بين الشلل يتطلب الاصابة بفقدان ذاكرة جزئي دائم لا يسمح بالتعرف على أعضاء الشلّة القديمة البائدة.

بقي أن نجيب على هذا السؤال : هل من المحتم أن تنتمي لشلّة ما ؟

الجواب ببساطة هو : لا .. التوازن هو السيد الحقيقي للعبة هنا .. لتكن ذا علاقة جيدة مع كل الناس من دون تخصيص قضاءك الوقت مع شلّة معينة .. وحتى في أوقات تناول الطعام حاول أن تنوع جلساتك ولا تبدو كأنك تابع لاتجاه ما .. ستستفيد من هذا السلوك أكثر بمراحل من أولئك القافزين .. ستحتفظ باحترامك لنفسك وبسماكة جلدك على الأقل ضمن الحدود الطبيعية.

ولا تنسى أنك قد تستفيد من جراء قفزة ما سواء لداخل شلّة أو من شلّة لشلّة ولكن هذا سيقصّر .. بالضرورة .. من عمرك الافتراضي في مكان العمل.

الفنون كثيرة في أماكن العمل .. وليس فن القفز بين الشلل أفضلها بطبيعة الحال.