لأنه رجل لطيف طيب .. ولا أحد ينكر ذلك.

لأنه الفارس البطل الذي مر بكل أهوال التوظيف بشجاعة وثبات.

لأنه كل هذا وأكثر أرسلنا له إيميل عرض العمل.

كنا نريد أن نرسل العرض مع فارس على صهوة حصان .. لكننا اكتشفنا أنه ذهب لحفلة زفاف ليحمل العريس لصالة عرس النساء.

ولأنه بطل مغوار فقد أرسل لنا موافقته قبل أن يصله عرض العمل حتى.

كان غارقاً في حب الشركة حتى قبل أن يراها ويسمع صوتها .. للشركة صوتها المميز كما تعلمون ..

كان غارقاً في حبها ربما قبل أن يولد أصلاً.

كان مكان العمل وعده .. 

ويبدو أنه قد تلقى وعده…

                                *     *    *

كما أخبرتك يا صديقي من قبل .. لا داعي للتأنق الزائد .. لقد وظفوك وانتهى الأمر.

أنت ستقضي ثلث يومك .. على الأقل .. في العمل ولولا أنهم سيرموك خارج الشركة لطلبت منك الذهاب إليهم بالبيجاما .. أنت لا تحتاج سوى لبعض الملابس المتناسقة بألوان مريحة للأعين وكفى.

الآن .. عليك أن تدخل لمكان العمل عند بداية الدوام تماماً لا قبل ذلك ولا بعده ..

ليس من مصلحتك أن تأتي مبكراً حتى لا تصبح هدفاً للسخرية الصباحية من قدامى الموظفين وهم يتكلمون أثناء قيامهم بواجباتهم الاجتماعية الصباحية تجاه بعضهم البعض عن ذلك الموظف الجديد الفرحان الذي يحسب نفسه قادماً لمدينة الألعاب.

ولأن المثل القائل بأن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً لا يعمل هنا فلا أنصحك أيضاً بالتأخر في هذا اليوم بالذات على الأقل .. 

لا تنسى أنك في مرحلة تجريبية كما ينص عرض العمل وسيكون من الممتع بالنسبة لقسم الموارد البشرية أن يلقطوا عليك مثل هذا النوع من الغلطات.

هم يتوقعون أن تكون نموذجياً خلال أيامك الأولى في الشركة وعليك أن لا تخيب ظنهم.

ستجد موظف من قسم الموارد البشرية بانتظارك وغالباً سيكون نفس الذي تواصل معك منذ البداية.

سيقابلك غالباً بابتسامة عريضة وسيكون بشوشاً معك .. وعليك أن تستغل هذه الفرصة وتبدأ بنسج حبائل الصداقة معه بكل تفان واخلاص .. 

لماذا !؟ .. لقد أخبرتك من قبل.

ستكون فرصة نادرة حقاً لأن ابتسامة موظف الموارد البشرية ستختفي بعد أن يفرغ من مهمته كما حدث مع سندريلا التي أمهلتها الساحرة حتى منتصف الليل وعادت الأمور بعد ذلك الى طبيعتها.

أتسألني عن مهمته !!؟

ألم أقل لك حتى الآن … !؟

شرودي المزمن هذا .. لا عليك.

اليوم يا صديقي الهمام هو أول يوم لك في الشركة كما تعلم .. ولأنه اليوم الأول فستمر بما يسمى بالـ Orientation

في البداية سيأخذك موظف الموارد البشرية الى قاعة الاجتماعات .. أو الى أي مكان فيه طاولة .. سيعرّفك هناك على نشاط الشركة وأهدافها وهيكليتها .. سيتحدث بطلاقة وبتسلسل أفكار رائع ومتماسك ولا عجب فهو قام بذلك عشرات المرات على الأقل.

سيأخذ نفساً عميقاً بعد أن ينتهي ثم يبتسم ويبشّرك بأن جولة التعارف ستبدأ حالاً.

يالحظك .. ها قد بدأ المرح الحقيقي.

ستجد نفسك تتجول برفقته في كافة أرجاء الشركة مكتباً مكتباً وقسماً قسماً .. هناك مكاتب ستراها لأول وآخر مرة غالباً لذلك حاول أن تنتهز الفرصة وتتفحص ما ومن حولك جيداً.

ستدخل مراراً الى مكتب ما لتقف بجانب موظف الموارد البشرية الذي سيعرفك على ساكني المكتب بحماس ويطلب منهم أن يعرفوك عن أسمائهم ومناصبهم.

ستلتقي بكمّ من البشر ربما أكثر ممن التقيت بهم طوال حياتك .. لذلك دع عنك الارتباك وابتسم ولا تكف عن الاشراق .. أشرق يا صديقي ودع الموظفين يفرحون بقدومك.

هنا ستجد أنواع متعددة من ردود الأفعال لدى الموظفين.

هناك من سيعرفك عن نفسه بلا أي تعابير وهو ينتظر في ملل لحظة خروجكم لأقرب داهية.

هناك من سيقابلك بابتسامة كلها حنان وتشجيع وإشفاق ويتمنى لك أياماً سعيدة في عملك الجديد.

هناك من سيصوب عليك تلك نظرات مرحبة ممزوجة بالوعيد .. لا تلق بالاً لذلك كثيراً فهذا أحد قدماء الموظفين وهؤلاء لديهم هواجسهم وأساليبهم في تأكيد مناطق السيطرة مثل أي قط يحترم نفسه .. سيكون لنا حديث عن ذلك فيما بعد ولكن ليس الآن.

هناك مكاتب ستمر عليها سريعاً خصوصاً مكاتب المدراء المشغولين بأمور كثيرة ولا وقت لديهم للتعرف عليك حالياً .. فيما بعد .. سنراك عن كثب ولكن فيما بعد .. هاه.

هناك قسم معين ستلاحظ مع الابتسامة .. إن وجدت .. بعض الجمود والعدائية ..

تحديداً القسم الذي قد تشكل مخرجات عملك إزعاجاً لهم وخصوصاً إن كان لك مهاماً رقابية أو تدقيقية عليهم.

تعابير وإيماءات وكلمات مختلفة وأنت لا تكف عن التنقل مع موظف الموارد البشرية حتى يصيبك التعب خصوصاً لو كانت شركة كبيرة مليئة بالموظفين.

الصبر يا صديقي .. الكثير منه .. ولا تقلق ستأتي تلك اللحظة التي سيبشرك فيها موظف الموارد البشرية وهو يتصبب عرقاً بأن الجولة قد انتهت وأنك بتّ تعرف جميع موظفي الشركة.

هذا خبر مفرح حقاً .. أقصد انتهاء الجولة .. ولكن المشكلة أنك نسيت جميع من رأيتهم في هذا اليوم الطويلة وأنت في ورطة الآن.

الواقع أنها ليست ورطة ولا أي شيء آخر .. ويبدو أنك فهمت القضية بشكل خاطئ.

هذه الجولة يا صديقي ليست بهدف أن تتعرف على جميع موظفي الشركة .. هذا مستحيل ويحتاج لوقت إلا إن كنت تملك ذاكرة حديدية.

هذه الجولة حتى يتعرف الموظفون عليك لكي لا يطلب لك أحدهم الأمن لو صادف ورآك تسير في أحد الممرات على اعتبار أنك عميل خطير مرسل من إحدى الشركات المنافسة.

وطبعاً هناك أهداف خفية من قسم الموارد البشرية تتمثل ببث الذعر في قلبك على اعتبار أن الشركة تملك عزوة كبيرة وأنك داخل دخلة كبيرة يجب أن تكون قدها.

ستعيش يا صديقي أعوام عديدة .. إن كان لك بقية من العمر .. في الشركة وستأتي أيام عديدة سيدخل فيها الى مكتبك موظف الموارد البشرية العتيد ليعرفك على شخص متأنق يبتسم في عصبية وارتباك على أنه موظف جديد في الشركة.

أما عن ردود فعلك وقتها فهذا يعتمد على أمور كثيرة هي خارج مجال حديثنا في هذه المرة على الأقل.