من بين الذكريات المتعلقة بإقامتي في بيت الضيافة بمدينة عنتاب كانت هناك ذكرى معينة لم أذكرها من قبل ﻷني أردت أن أتكلم عنها في تدوينة مستقلة.
اﻷمر يتعلق بعادة بدأت مع إقامتي هناك واستمرت أثناء وبعد مغادرتي لبيت الضيافة لفترة لا بأس بها.
بدأ كل شيء في اﻷيام اﻷولى لي في بيت الضيافة وتحديداً في يوم الجمعة اﻷولى حيث قال لي حسام .. زميلي في البيت والمشرف عليه .. بأننا على موعد في المساء مع بعض الضيوف الذين ياتون كل أسبوع من أجل جمعة القرآن.
- جمعة القرآن !!
كررت ما قاله بتساؤل فابتسم وقال بهدوء :
- نعم جمعة القرآن .. اعتدنا منذ زمن على الجلوس مساء الجمعة لنقرأ القرآن ونتبادل اﻷحاديث ونلعب PES .. هذه فرصة لتتعرف على بعض الأشخاص الطيبين الذين كانوا يعملون معنا سابقاً قبل مجيئك.
هكذا في المساء وتحديداً بعد صلاة المغرب بدأ جرس بيت الضيافة بالدق لعدة مرات والأشخاص الذي ذكرهم بالتوافد حتى امتلأت الصالة تقريباً، واكتشفت فيما بعد .. ومع الأيام .. أنني كنت وقتها على موعد للتعرف على كمّ كبير من الناس الذين من الصعب جداً أن تساعدك الظروف على الالتقاء بهم في مكان واحد ولذلك الهدف الذي جاؤوا من أجله.
أقول هذا لأني قادم .. مثلهم تماماً .. من بلد حكامه لديهم حساسية عالية تجاه مثل هذه التجمعات وغالباً سيكون لقاءك الأول معهم .. لو تم في سوريا .. في بيت ما والثاني في المعتقل.
تجمعات ليس الهدف منها سوى أن تمارس عبادة من عبادات دينك فقط .. قراءة القرآن وبعض النقاشات حول ما قُرأ منه .. ستكون كفيلة بأن تدفع ثمنها حريتك وحياتك نفسها في كثير من الأوقات بطرق أفظع مما قد يتعرض له المسلمون الأوائل أنفسهم.
لذلك كنت أشعر بارتياح كبير وأنا جالس معهم يقرأ كل واحد منا صفحة من القرآن وأحياناً ندخل في نقاشات جانبية حول معاني إحدى الآيات قبل أن يوقفها المشرف على الجلسة .. وهو شخص يقوم بتصحيح أحكام التجويد والقراءة لنا .. لكي نعود للقراءة مرة أخرى.
وبعد أن تنتهي جلسة القراءة تبدأ جلسة لعب بحاسب موصول على شاشة عرض كبيرة مع أربعة أيدي لعب لتبدأ المباراة ويبدأ الحماس والصياح ثم تنتهي الجمعة في وقت متأخر من الليل وقد يبقى بعضهم لينام ويغادر في الصباح.
كان عدد الأشخاص يتغير يزداد ويتناقص ولكن كانت هناك وجوه ثابتة تتكرر في كل مرة.
الجميل أنني ومن خلال جمعات القرآن المتتابعة تعرفت على أغلب تلك الوجوه الثابتة وأصبحت تربطني معهم علاقة صداقة متفاوتة الشدّة .. كانوا هم أصدقاء منذ زمن طويل بينما أتيت أنا في وقت متأخر .. هذا النوع الإيجابي من الصداقات مع أناس يبنون علاقاتهم مع الناس على أسس بعيدة عن الاستغلال والمصالح الشخصية الضيقة .. والأهم لا يستخدمون المظهر الديني في تحقيق مصالحهم وهذا النوع لي معه تجربة مريرة.
استمرت جمعات القرآن لأسابيع طويلة وكنت أحرص على حضورها بقدر ما أستطيع حتى بعد مغادرتي لبيت الضيافة وبعدها توقفت تماماً منذ أن بدأت أيام الحجر التي تسبب فيها وباء كورونا وبعدها لم يعد بيت الضيافة موجوداً للأسف.
انتهت جمعات القرآن ولكن أثرها في نفسي لم ينتهي كنوع من النشاط الاجتماعي الذي ينسجم مع كوني مسلماً ولا يتجاهل أنني إنسان بحاجة لصحبة ولبعض أوقات الضحك واللهو.
ذكرتني بالذي مضى، في منطقتنا هنا في أبوظبي كان هناك شاب ينظم حلقات دينية كل يوم جمعة بعد صلاة المغرب، تبدأ بقراءة آيات من القرآن ثم يتحدث عن موضوع عام، إما فقهي أو أخلاقي أو موضوع اجتماعي ونخرج قبل أذان العشاء، هذا الرجل نظم كذلك أنشطة أخرى مثل رحلات الصيد في البحر وسباقات زوارق وسباقات دراجات هوائية وكذلك يرتب مكان للعبة كرة الطائرة (لماذا كرة الطائرة؟!) في رمضان حيث يجتمع شباب المنطقة بعد التراويح.
الآن المنطقة تفتقد مثل هذا النشاط، أحدث صديق بأننا كنا محظوظين بوجود هذا النشاط في المنطقة، الأجيال الصغيرة اليوم لا تجد مثل هذا الترابط الاجتماعي ولا شك لدي أن سبب لبعض ما يعانون منه، عدة يعانون من الاكتئاب وهم صغار أو في بدايات المراهقة، نمط الحياة المنزلية وعدم الخروج من المنزل بحرية تامة كما كنا نفعل في الماضي لا شك سبب، وهذه ظاهرة عالمية في أغلب دول العالم حيث الصغار اليوم يكتشفون دائرة صغيرة جداً حول منزلهم مقارنة بأجيال الماضي التي كانت تستكشف دائرة قطرها 2 كيلومتر على الأقل مشياً أو بالدراجات الهوائية.
الاجتماع لقراءة القرآن بركة، وإن أصبح عادة أسبوعية أو يومية ستضيف الكثير لحياة الفرد، لعب PES بعد ذلك إضافة جميلة كذلك 🙂 هل رأيت ألعاب كرة القدم الحديثة؟ رأيت أخي يلعب ولو لم أعرف أنها لعبة لظننت أنها مباراة حقيقية.
هذه الأنشطة هي التي تصنع شخصيات قوية وعقول تعمل بشكل صحيح .. بارك الله بذلك الشخص وجعل ما فعله في ميزان حسناته .. أفاد الناس بما هو للدنيا وما هو للآخرة .. ونعم للأسف في الوقت الحاضر أصبح الانعزال والفردانية هي السائد وأحزن على الأطفال الصغار الذين حياتهم تتلخص في الجهاز الذي يحدقون فيه طوال اليوم .
نعم كانت لعبة PES إضافة مميزة .. جربتها ولم أكن جيداً بها فاكتفيت بالفرجة 😁 .. لم أرى ألعاب القدم الحديثة ولكن يبدو أن الدقات العالية الحديثة تصنع ما لم نكن نتخيله في بدايات الحاسب الأولى ..كانت الألعاب قليلة الدقة حقاً ولكن أعتقد أنها كانت ممتعة أكثر.
عادة جميلة ورفقة طيبة،تلك العلاقات فعلا تكون ممتازة وخالية من التصنع
نعم لذلك هي تدوم مهما بعُد وقت اللقاء
هذا يبدو جميلا حقًا، شكرا على مشاركتنا هذه الذكرى.
العفو .. الشكر لك على متابعتك وتعليقك 🙂
في بعض مناطق الجزائر يقرأ دائما في المساجد حزب من القرآن جماعيا بعد صلاة المغرب. لكن التجمع في مكان مثل نادي أو ديوانيات الكويت شيئ مفيد حتما.
هذا أمر جميل والحمد لله .. التجمع في مكان خاص يعطي قدرة أكبر للتعرف على الناس ويعطي مرونة أكثر في الأنشطة المرافقة