التدوين .. ذكريات
اليوم هو الذكرى العشرون للتدوين العربي .. عشرون عاماً مرت منذ تسلل هذا النشاط الإنساني بمفهومه المتعلق بالنشاط على الشبكة ليغير تعاملنا معها من ذلك المكان المليء بالمنتديات وغرف الدردشة وإمكانية أن يصبح لديك بريد إلكتروني .. وهذا أمر في ذلك الزمن لو تعلم عظيم .. الى إمكانية أن يصبح لديك موقع يحمل كلماتك وانطباعاتك وهويتك الشخصية.
ولم يكن هذا أمراً سهلاً بالطبع وخصوصاً في الطرف العربي المليء معظمه بالخوف والهواجس الأمنية والملاحقة بلا أي قواعد واضحة وأضف على ذلك صعوبة وصولك الى الخدمات وخيارات الدفع بشكل مباشر كشراء الدومين أو حجز مساحة والاعتماد على الوسطاء وما يترتب عليه من إرتفاع التكلفة.
لذلك كانت البداية الفعلية مع انتشار الخدمات التي تتيح لك إنشاء مدونات مجانية مثل بلوغر ووردبريس وغيرها هكذا أخذت الشبكة تمتلأ بالمدونات العربية بشكل متسارع.
في ذلك الوقت كنت أنا من أولئك المحظوظين الذين كان لديهم اتصال يومي بالشبكة وهذا أتاح لي التعرف على التدوين العربي منذ بدايته الأولى وكان هذا .. بشكل خاص .. عن طريق مدونة الأستاذ عبد الله المهيري .. كان اسمها سردال تحديداً.
عميد المدونين العرب
الأستاذ عبد الله معروف بكونه عميد المدونين العرب لذلك كان من الطبيعي أن يُذكر كلما ذكر التدوين العربي .. وما منحه هذا اللقب هو كونه فعلياً أول من بدأ التدوين باللغة العربية وتستطيع أن ترى ذلك بشكل واضح من خلال تدوينته التي نشرها اليوم كجزء من الاحتفالية.
وأعتقد أنه يستحق هذا اللقب ليس فقط لأنه أول المدونين العرب بل أيضاً لأنه لم يكتف بتجربة التدوين على أنها كتابة بضعة تدوينات ثم السأم من كل ذلك ونسيان كل شيء بعدها بل قام بالتعامل معه على أنه نشاط يومي أو لنقل مستمر غير منقطع إلا لفترات محدودة والرجل منذ ذلك الوقت لم يكف عن التدوين وقام بإنشاء أكثر من مدونة خلال السنوات العشرون الماضية.
السبب الآخر والأهم برأيي هو أنه كان يدون كما يجب للتدوين أن يكون كمساحة لإفادة الناس وتعريفهم بأدوات ومفاهيم وروابط وآراء وتقنيات مختلفة وأيضاً صور وذكريات وانطباعات شخصية وهذا ما يجب أن تكون عليه المدونة الشخصية.
إنشاء .. كتابة .. إغلاق
في البدايات كانت تجربتي مع التدوين كفعل غير مستقرة وكانت تمر بشكل متكرر بالأطوار التالية:
رغبة طاغية في إنشاء مدونة .. الآخرون ليسوا أفضل مني 🙂
الكتابة بغزارة في البداية .. هناك الكثير مما أريد قوله.
تباعد الفترة الزمنية بين التدوينات .. أنا مشغول .. مشغول.
اكتشاف أن أكثر ما أكتبه هراء … كيف تجرأت على كتابة هذا ال… ونشره بين الناس.
النهاية .. اغلاق المدونة.
لدرجة أنني قمت بتقييد الوصول لمدونتي الأولى .. مدونة عطالله .. ونسيت بعدها معلومات الدخول إليها 🙁
مرة قمت بإنشاء مدونة بدومين مدفوع واستضافة واستمرت لسنة ثم أغلقت بسبب عدم توفر تغطية مالية.
مدونة واحدة نجت وهي خطوات وكنت وقتها قد وصلت لمرحلة من التصالح مع الذات جعلتني أتعامل مع أي شيء أكتبه على أنه جزء من تصرفات إنسان عادي مليء بالسلبيات والايجابيات لذلك لم أعد أرى داعياً لتهويل الأمور.
وأنا أكتب في مدونتي الحالية .. شيء من حتى .. منذ سنة تقريباً .. وبدأت أتعامل مع التدوين على أنه عادة مستقرة .. وآمل أن يكون نشاطاً دائماً هذه المرة.
قطع الزجاج الملون
أعتقد أن السنوات السابقة لعام 2008 كانت سنوات ذهبية بالنسبة للتدوين العربي بحيث تزايد عدد المدونات لدرجة أنني خصصت وقتاً يومياً أقضيه في التنقل بينها وقراءة تدوينات كثير منها كان مفيداً حقاً في زمن سأم الكثير من ديكتاتورية ونمطية المنتديات ولم يعرفوا بعد مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت عبارة عن دوامة ابتلعت .. للأسف .. أغلب المستخدمين للشبكة.
لذلك كانت تلك الروابط التي اعتاد المدونون على وضعها في مدوناتهم لكي يرشدوا القارئ على تدوينات أخرى كانت أهم وأكثر حيوية من أي نتيجة مشابهة بحث تقدمها لك محركات البحث ذات الميول التجارية.
ومع الوقت بدأت هناك أنواع من الصداقة تتكون بين المدونين العرب وبدءوا أيضاً بالتعاون في أسابيع تدوين في مواضيع معينة منها أسبوع تدوين اشتركت به ضد عديمي الفطرة .. أعتقد أن هذه التسمية ستكون مخادعة للديكتاتوريين الجدد 🙂 .. حدث هذا على ما أذكر في العام 2005 وامتلأ ذلك الأسبوع بالتدوينات والرد عليها ومن ثم الرد على من رد وهكذا.
بدأ كل شيء تحديداً بمدونة من ذلك النوع الذي يكتب لكي يلفت الانتباه وأذكر أنها كتبت تدوينة مستفزة كان الرد عليها في أسبوع ضد عديمي الفطرة .. تعرف يا صديقي ذلك النوع التافه الذي لا يكف عن الصراخ للشعور بالأهمية وتحقيق المكاسب .. ولأن الشيء بالشيء يذكر أتذكر أن كان هناك وقتها شاب وفتاة قاما بتصوير نفسيهما عرايا في صور مستقلة واستغلوا موجة الغضب التي حدثت في تقديم طلب لجوء الى دولة أجنبية والسفر الى هناك .. هكذا ترى أن كل شيء سيكون سهلاً أمام عديمي الأخلاق والشرف.
الهدف مما ذكرت هو توضيح أن التدوين قد أحدث حالة من الحيوية والنشاط الاجتماعي بين المدونين ولا تنسىى أن التدوين هو نوع من كتابة التاريخ الشعبي للناس وأيضاً وسيلة للتواصل الذي قد يؤدي للقاءات مباشرة وهذا ما حدث معي عندما التقيت بعدة مدونين كانوا يعيشون مثلي في مدينة حلب.
كان من الممكن أن يؤدي هذا الى أنشطة إجتماعية متقدمة أكثر ولكن .. كما ذكرت سابقاً .. كان الخوف من الاعتقال أو الملاحقة هاجساً موجوداً بشكل دائم بشكل دفع أغلب المدونين للتدوين بأسماء وهمية فالأمر لا يحتمل المزاح أبداً وقد تختفي لمجرد أن الغبي الذي يراقبك لم يفهم جملة أو عبارة كتبتها بشكل عارض واكتشف بعدها خياله المريض أنها عميقة وأن هناك كلمات كتبت بالحبر السري بين السطور.
سنوات الركود
مع بداية انتشار مواقع التواصل الاجتماعي تراجع التدوين بشكل كبير .. ليس في الطرف العربي فقط .. الناس وجدت أن المواقع الاجتماعية أسهل وأغزر محتوى وأقرب للمنتديات ولكن بشكل أضخم وأنها تتيح مجال للتعارف بشكل أكبر .. وهناك الكثير كما تعلم ممن يحب التفاهة وهدر الوقت .. هكذا طغت المواقع ذات المحتوى البراق الذي يحتوي تفاهات كثيرة على المواقع الشخصية.
لكن .. في الآونة الأخيرة .. بدأ نوع من الانتعاش في التدوين العربي وبدأ الناس يعودون له بعد أن سأموا من الشاتمين مثيري المشاكل الذين امتلأت مواقع التواصل بهم .. أضف على ذلك أن الانسان يحب أن تكون له مساحة خصوصية يكتب بها بعيداً عن الإملاءات التي تفرضها عليه قوانين مواقع التواصل وبعيداً عن انعدام الخصوصية هناك.
وبإمكانك أن ترى هذا الانتعاش بشكل محسوس من خلال موقع الفهرست
الانسان بطبعه يحب الهرب من أي شجار جماعي والالتجاء الى مكان هادئ وآمن .. قد يراقب الشجار من بعيد لفترة ولكنه أعقل .. أو هكذا يجب أن يكون .. من أن يقترب ليجد نفسه بعدها ملطخاً بأكوام من الشتائم والاتهامات والتفاهات.
أعتقد أن النشاط التدويني سيتزايد مع الوقت وتعود الأمور الى سيرتها الأولى والله أعلم.
بكل الأحوال نحن في الذكرى العشرون للتدوين العربي وهذا أمر منعش وجميل ومبشر .. ما زال على العرب الكثير ليجعلوا المحتوى العربي على الشبكة أكثر حضوراً وفائدة ولكن ما دام هناك من يحاول فأعتقد أنه سيصل في وقت ما.
مبارك علينا عشرون سنة تدوين.
لا أظن أن زمن المدونات الذهبي سيعود، حتى يتم حظر التيكتوك في الدول العربية. ذكرى تدوين سعيدة صديقي 🙂
ذكرى تدوين سعيدة يا صديقي المدون النشيط جداً .. الحظر سيعني البحث عن بدائل .. أعتقد أن القضية قضية وعي بالدرجة الأولى .. زمان كان هناك من يقضي وقته في اللهو والأمور الفارغة وهناك من يستثمره في المور المفيدة .. كانت الفرص متاحة والخيارات موجودة .. الآن طغى المحتوى التافه وسهولة الوصول اليه على كل شيء
نعم، لقد قرأت للأستاذ عبد الله على مدونة سردال خلال سنواتها الاولى.كنت أبحث يومئذ عن مقالات عن نظام لينكس.
أنا شخصيا كنت أتهرب من المنصات الاجتماعية بسببهوسي الخصوصية.
كانت أيام جميلة حقاً … أعتقد أن لينكس قد نضج الآن وأصبح بديلاً حقيقاً لمن يريد أن يبذل بعض المجهود والخروج من منطقة الراحة .. لكن في العموم يظل الاطلاع الى كميات بقية الأنظمة أمر مفيد