رابط الأجزاء السابقة

7 – شبح الحفلة

نظرت له والدته وقالت :

ضحكت أمه وقالت وهي تضع الصحون على المنضدة وقالت :

صمت وهو يشعر بالغيظ .. ستكون هدية غالية ولا شك وسيأخذها سليم الوغد بدل أن تكون من نصيبه هو.

تناول طعامه بسرعة ثم اتجه لغرفته وجلس يكتب بعض الوظائف المتراكمة حتى جاء الليل، رمى بالكتب جانباً وعاد ليفكر بالهدية الغالية التي سيقدمها بنفسه لسليم .. شعر بالضيق فأخرج مجموعة وحوش كالن وأخذ يصفها على قاعدتها ويدير حواراً وهمياً بينها .. انتَبه أنهم كانوا يتكلمون على خطة لمهاجمة سليم وأخذ الهدية منه والهرب بعيداً الى كوكبهم .. شعر بضيق أكثر فتركها وذهب للنوم.

شعر بالعطش فقام من سريره وذهب متثاقلاً الى المطبخ .. مر من أمام الصالة ولمح ضوءاً ضعيفاً صادراً منها .. مد رأسه عبر الباب في تساؤل .. كان ضوء التلفاز الذي مازال يعمل بعد أن انتهى الإرسال .. لا بد أن أبواه قد نسيا إطفائه .. اقترب منه ووقف أمامه ومد يده فسمع صوت نحنحة فاستدار ورأى شخصاً مبهم الملامح يقف في منتصف الغرفة في صمت.

فأجابه صوت عميق قائلاً :

ثم مال رأسه وبدأ يضحك تلك الضحكة المخيفة وهو يتقدم منه و ..

واستيقظ من النوم وهو يلهث .. نظر في رعب نحو الباب الذي وقف بجانبه شبح طويل أسود .. هذا المِشجب يا أحمق وليس شبحاً .. تنهد ودفن رأسه بغطاء السرير وعاد للنوم.

بعد عدة أيام كان يقف أمام المرآة بتعاسة بينما تحاول والدته أن تحوله الى مخلوق متأنق .. وبعد الكثير من تسريح الشعر واختيار قطع الثياب ابتعدت لتتأمله بنظرة شاملة ثم قالت بارتياح:

نظر للمرآة وشاهد شخصاً شبيهاً بمهرجي السيرك يرمقه في غضب .. لم يعلق واكتفى بهز رأسه وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة.

هز رأسه مرة أخرى وسمعوا بعدها صوت أبيه يدعوهم للنزول .. لقد نفذ الوقت حقاً.

كان يمسك بكيس ملئه بالحلويات وأخبره والداه أنه سيوزعها على الحاضرين .. ولم يعلق والداه بشيء برغم دهشتهم من تصرفه الغير مألوف .. الواقع أن الكيس كان مليئاً بالحلويات التي كانت تخفي شيئاً آخر ..

كانت تخفي الصندوق وكاميرا تصوير فوتوغرافي.

لماذا اصطحب الصندوق معه الى الحفل !؟

لم يكن يدري السبب تحديداً .. لكنه شعر بأنه سيحتاج إليه في وقت ما هناك.

وصلت العربة الى الفيلا الصغيرة التي تقطنها عائلة سليم .. نزل واقترب من الباب أثناء مغادرة عربة والده المكان .. اجتاز باب الفيلا الخارجي ودق باب الفيلا الداخلي ففتح له سليم وأمه ورحبوا به بحرارة .. أعطى الهدية لسليم بينما كانت أمه تبدي إعجابها بأناقته.

تقدم نحو الصالة بصحبتهما فغمرت الأضواء عينيه بقوة فأغمضهما قليلاً ثم عاد وفتحهما .. كانت صالة الفيلا الواسعة مزدحمة بالأطفال وأهلهم .. أصوات الأغاني والضحكات والراقصين والراقصات يملئون المكان .. أخذ يتنقل بين الحاضرين الذين يعرف بعضهم متبادلاً معهم الحديث والضحك.

حفل جميل حقاً .. فقط ينقصه بعض الإثارة.

استمر الحفل على هذا المنوال لساعة تقريباً .. ثم غابت أم سليم قليلاً وعادت وهي تدفع عربة وضع عليها قالب حلوى ضخم مزين بأنواع كثيرة من الشوكولاته والمكسرات ..

أُطفئت معظم الأضواء بعدها فاجتمع الحاضرين حول قالب الحلوى وأخذوا يغنون أغاني عيد الميلاد على ضوء الشعلات النارية التي أشعلت على محيط قالب الحلوى بينما تقدم سليم وهو يمسك سكيناً طويلة وبدأ بقطع القالب من طرف وبدأ الحاضرون بالتصفيق والتصفيروبدأت تسمع أصوات مفرقعات من أماكن متعددة من الصالة وامتلأ الجو بالشرائط الملونة.

حفل جميل حقاً .. فقط ينقصه بعض الإثارة.

تراجع قليلاً الى الوراء بينما الجميع منشغلون بسليم وقالب الحلوى ثم مد يده وأخرج الصندوق وفتحه ….

أحنى جميع الحاضرون رؤوسهم وبدؤوا يضحكون بعينين ثقيلتين تلك الضحكات المتصاعدة البائسة .. مد يده بسرعة وأخرج الكاميرا والتقط صورتين ثم أعادها للحقيبة وأغلق الصندوق بعدها فسقط الجميع على الأرض.

استدار وركض باتجاه حديقة الفيلا الخلفية …

هل سمع صوتاً ما يخرج من الصندوق أم أنه كان يتخيل ذلك !!؟

كان يتجه نحو المخرج الخلفي للحديقة حين لمح شخصاً يقف أمامه وهو ينظر نحوه بجمود بملامح غارقة في الظلام .. شعر برعب هائل فركض حول الفيلا وخرج من الباب الأمامي وركض عبر الشارع باتجاه بيت أحد أقربائه هناك وأخذ يدق الباب بإلحاح حتى فتحه رجل عجوز وهو ينظر له بغضب وتساؤل فأخبره بصوت لاهث بأن الجميع قد أغمي عليهم فجأة وأنه خاف وهرب لعنده .. ولم يضع الرجل أي وقت واتصل بالاسعاف والشرطة وامتلأ الشارع الهادىء بشتى أنواع العربات والبشر.

8 – هدية على قارعة الطريق

كان والده يجلسان هما وقريبهم العجوز في صالة منزلهم .. كان يجلس هو أيضاً بجانبهم وهو لا يكف عن الإرتجاف .. بقوا صامتين لفترة ثم تنحنح أبوه وقال بدهشة :

نظر العجوز له ثم قال بصوت ثقيل :

ابتسم العجوز وقال :

أجاب بصوت خفيض :

التفت العجوز للأبوين وقال :

ثم استأذن بالانصراف.

قالت أمه وهي تحضر نفسها للنوم :

ثم حضنته وهي تقول بصوت مضطرب:

الحقيقة أنه لم يكن بحاجة لمن يوصيه بأن لا يتكلم بأي كلمة حول ما حدث لأنه ببساطة من تسبب بما حدث .. إضافة لمشاعر الرعب التي كانت تملئه كلما فكر بذلك الشخص الذي صادفه عند باب حديقة الفيلا الخلفية.

هل كانت صدفة!؟ .. إذا كانت كذلك فلماذا كان يقف في الظلام وكأنه ينتظره هو بالذات.

هل شاهد ما حدث في الداخل ؟ .. لماذا صمت إذن ولم يخبر الشرطة بما رأى.

هل هو نفس الشخص الذي دفن الصندوق في الحديقة ؟؟

هذه الأفكار وغيرها كانت تهاجمه باستمرار وتصيبه بهلع يجعله يشعر بقدميه وكأنها أعواد معكرونة مسلوقة .

هلع جعله لا يرغب باللعب بأي من اللعب التي يمتلكها.

هلع جعله يتخلص من تمثال الفارس ويلي وشريط الألعاب والصورتين اللتين التقطهما في عيد ميلاد سليم.

هلع بدأ يكبر أكثر خصوصاً عندما كان ينظر للنافذة ليلاً ويرى شخصاً يقف على الرصيف المواجه للمبنى وهو ينظر باستمرار نحو نافذته هو بالذات.

شخص يراه يقف بعيداً في أي شارع يمشي به سواء أكان يذهب للمدرسة أو لأي مكان آخر.

الى أن أتت تلك الليلة .. كان قد بدأ يعود لعاداته القديمة وخاصة سهره اليومي بعد نوم أبويه .. وقف يرمق الشارع وأشجار الحديقة .. كان ذلك الشخص المجهول قد كف عن مراقبته منذ فترة .. هناك حفل ما في أحد البيوت المقابلة .. توقفت قليلاً عربة فخمة أمام المبنى الذي يحوي الحفل ثم عاودت التحرك وغابت في الظلام.

هناك عند سور ذلك المبنى لمح شيئاً يلمع على الضوء الخافت القادم من أحد مصابيح الشارع .. دقق فيه أكثر فاكتشف أنها علبة هدايا كبيرة ملقاة هناك.

هل سقطت من أحد الحاضرين للحفل !؟ .. كيف لم يشعروا بها وهي بهذا الحجم.

هل انزلقت من العربة وهم يخرجون منها !؟ .. سينتبهون لفقدانها ويعودون لأخذها حتماً .

ماذا لو سبقهم أحد المارة وأخذها وعاد بها لمنزله !؟

بدأ يشعر بفضول ضخم يملئه بقوة .. يجب أن ينزل ويحصل هو على هذه الهدية.

ماذا عن ذلك الشخص المجهول الذي كان يراقبه!؟ .. هو ليس في الشارع وبكل الأحوال سيأخذ الصندوق معه والويل لمن يقترب منه.

تسلل الى خارج المنزل وأخذ ينزل الدرج بهدوء وهو يتحسس الصندوق الذي أمسكه بقوة في يده .. وقف على زاوية الرصيف وأمعن النظر في تفاصيل الشارع.

لا يوجد أحد.

عاد لينظر الى المكان التي سقطت فيه العلبة.

ما زالت هناك.

اقترب وهو يتلفت نحوه باستمرار حتى وصل للعلبة ووقف أمامها.. كانت كبيرة حقاً .. ماذا تحوي يا ترى .. مد يده ليمسكها وأحس عندها بقطعة قماش مبللة تحيط بفمه وأنفه وبيد تحيط به بقوة  .. شهق وحاول المقاومة بلا جدوى حتى غاب عن الوعي.

9 – الضحكة الأخيرة

عندما استيقظ كان يجلس على أريكة كبيرة .. شعر بثقل كبير يجثم على رأسه وأخذ يتلفت حوله بصعوبة.

كان موجوداً في غرفة كبيرة امتلأ حائطها المقابل له بأرفف الكتب وتوسط المسافة بينه وبينها مكتب ضخم .. التفت بعدها ليمين الأريكة فشاهد نافذة تطل على مشهد عال وعريض من المدينة وعلى الطرف الآخر يوجد باب مفتوح كشف عن ممر طويل معلق على طرفيه لوحات لم يتبين محتوياتها.

سمع صوت خفيفاً فعاد لينظر أمامه ورأى شخصاً يجلس على المكتب ويقرأ كتاباً ما .. وسرعان ما تنحنح ورفع رأسه ثم قال له مبتسماً :

وضحك وهو يقوم ويتجه نحو الأريكة ويجلس بجانبه تماماً.

ثم نظر للمكتب في شرود وتابع كلامه قائلاً :

مندهش أنني عرفت ذلك .. هه !؟.. تينيوس صديقي يا فتى ولا يخفي عني أيّ سر من أسراره اللعينة ..

ولكن هناك شيء لم تكن تعلمه أيها الصغير .. تينيوس يريدك أن تفتح صندوقه حتى الموت وليس مجرد إغماءات جماعية أو أذى غير مسبب للموت .. هو يريد أن تفتح صندوقه حتى الموت ليأكل .. الآن هو جائع وغاضب جداً .. خاصة بعد أن حرمته من وليمة عيد الميلاد الكبيرة ..  لن أستطيع حبسه مرة أخرى حتى يشبع .

ومد يده ولوح بالصندوق وقال :

ومد يده بعدها وفتح الصندوق وهو يقول :

وبدأ الصبي يهتز برأس مائل ضاحكاً ضحكته الحزينة الأخيرة.