5 – في متجر الألعاب
في تلك الليلة كان يجلس على المقعد بجانب النافذة وهو يحدق في الخزانة من بعيد، الصندوق القابع في الطرف الأيسر تحت كومة من الملابس ..
كان يشعر تجاهه بالخوف والنفور، صحيح أنه لم يؤذه ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنه صندوق خطير تسبب أمامه في موت شخصين.
ترى هل قام ذلك الشخص بدفنه في الحديقة لهذا السبب !؟
كم عدد من تسبب بموتهم قبل أن يصبح ملكه؟
شعر بالهدوء يتمدد في أرجاء المنزل فقام وأخرج جهاز الألعاب من الخزانة وبدأ اللعب .. الفارس يتجه نحو الوحش ولا يكف عن إلقاء الأشعة عليه ويتفادى ببراعة كرات اللهب التي تخرج من فم الوحش .. سقط الوحش ميتاً على الأرض وخرجت الأميرة من سجنها ورفع الفارس السيف وأخذ يلوح به وهو يضحك باستمرار.
نظر للشاشة في حماس مختلط بالدهشة .. لقد حاول إنهاء هذه اللعبة لمرات لا حصر لها وفشل في كل مرة .. الآن وبكل بساطة تمكن من ذلك وقتل الوحش الذي دوّخه بكرات اللهب التي تخرج من فمه ومراوغته لقذائف الفارس.
لقد حدث العكس تماماً هذه المرة وهذا عجيب حقاً !؟
لكنه أنهاها بكل الأحوال وسيصدع رؤوس أصدقائه فخراً بكونه أول من فعل ذلك من بينهم .
أطفأ الجهاز وضوء الأباجورة وغرق في نوم عميق.
- أريد الجزء الثاني من لعبة الفارس ويلي.
نظرت له والدته بعينين ثقيلتين وقالت :
- ماذا !؟ .. الجزء الثاني من ماذا !؟ .. لقد اشتريت لك الجزء الأول منذ أسبوعين .. ألا تلاحظ أنك تقضي الوقت على ألعاب الأتاري أكثر من الوقت التي تقضيه في الدراسة .. لا لن أشتري لك شيئاً الآن .. لنرى نتائج امتحاناتك أولاً.
كانت تقف أمام باب المنزل وتستعد لمغادرته.
- ولكن يا أمي …
- لا لكن ولا غيرها .. أريد أن أرى نتائج امتحاناتك أولاً .. كلمة أخرى وستعاقب .. هل تفهم ما أقول.
صمت قليلاً ثم قال بخفوت:
- أفهم يا أمي.
انتظرها حتى غادرت المنزل ثم اتجه لغرفة نوم والديه حيث والده الذي كان يستعد هو الآخر للخروج .. وقال له بصوت ناعم :
- أريد أن تشتري لي الجزء الثاني من لعبة الفارس ويلي.
نظرله والده ثم ابتسم بسخرية قائلاً :
- عدت للعب على الحبلين.
- لل .. لم أفهم ما تقصده !؟
- جربت ذلك مع أمك كالعادة ورفضت .. وأتيت لي لكي تجرب حظك .. ما الذي قالته لك أمك أيها المخادع .. قل لي فوراً .
صمت ثم أجاب بتسليم :
- ستشتريها بعد أن ترى نتائج امتحاناتي .
ضحك وهو يمسك حقيبته ويسرع نحو باب الخروج قائلاً :
- هذا شرط صعب حقاً ولا يبدو لي أنها ستشتريها على الاطلاق .. هناك أيام غير سارة بانتظارك أيها البائس .. وبانتظاري أيضاً إذا لم أنزل فوراً .. أمك تنتظرني كما تعلم.
وغادر المنزل وهو يحدث صوت خطوات متسارع على الدرج.
شعر بالغيظ وأخذ يتنفس بصوت مسموع، سيشتري أحمق ما شريط اللعبة قبله وسيختمها ويغيظه طوال السنة .. ما فائدة أن ينهي الجزء الأول إذا لم يتبعه بالثاني .. كان اليوم يوم إجازة فعاد لغرفته وهو يشعر بخيبة أمل .. جلس يتأمل جهاز الألعاب بذلك الشق الفارغ من الشريط ثم نظر نحو الخزانة والتمعت بذهنه فكرة جعلته يبتسم بخبث قائلاً :
- لنر من سيحصل على شريط اللعبة أولاً من دون الحاجة لأحد.
تحسس الصندوق الذي وضعه في الحقيبة ثم نظر بتمعّن نحو المتجر التي اصطفت أجهزة الألعاب وأشرطتها على طول واجهته وازدحمت على الأرفف داخله … كان خالياً إلا من صاحبه الذي وقف وراء الطاولة منهمكاً في فعل شيء ما.
هل يدخل الآن !؟
عاد ليتفحص بأنظاره الشارع المزدحم بالناس ثم أسرع واتجه نحو المتجر .. نظر له البائع وابتسم قائلاً :
- ماذا تريد أيها الشاب الصغير ؟
- هل يوجد عندك الجزء الثاني من لعبة الفارس ويلي ؟
- بالطبع يا عزيزي .. هناك أيضاً تمثال جميل للفارس ويلي .. سيكلفك مبلغاً كبيراً ولكنه يستحق .. تخيل أنك ستضعه على الرف بجانب بقية الألعاب و …
أكمل حديثه وهو يلتقط شريط الألعاب والتمثال من أحد الرفوف ويعود ليضعهما على الطاولة .. نظر لهما في انبهار وقال بسرعة :
- سأخذهما هما الإثنان.
مد يده وأخرج الصندوق ومد يده ليفتحه فنظر البائع له وقال ضاحكاً :
- هل تضع نقودك في صندوق قديم يا فتى .. لا تقل لي أنك ستخرج حفنة من الدنانير لتعطيها لي و..
وكف عن الكلام فجأة وتثاقلت عيناه وانحنى رأسه قليلاً وهو يضحك الضحكة إياها .. أمسك الشريط والتمثال ووضعهما في الحقيبة بسرعة .. سمع حركة تأتي من مكان ما فأغلق الصندوق بسرعة فسقط البائع أرضاً .. لم يشعر إلا وهو يركض بين الناس وهو يلهث بانفعال.
المذياع يصدر صوت نغمات وهمهمات إيقاعية تختلط مع صوت إبريق الشاي الذي بدأ يهتز لحد الغليان .. كانوا قد فرغوا من طعامهم بينما أشعل والده سيجارة وأخذ نفساً عميقاً منها وقال بهدوء :
- كنت في السوق اليوم لأشتري غرضاً ما عندما سمعت أنهم قد عثروا على صاحب متجر الألعاب وقد أغمي عليه داخل المحل .. قيل لي أن طبيب المشفى قد أكد أنه تعرض لجلطة مخيّة نجا منها بأعجوبة .. وقال أنه سيرقد هناك لفترة لا بأس بها وقد يفقد ذاكرته لمدة ما غير محددة.
كان يستمع لما يقوله والده وهو يبتلع ريقه في خوف .. نظر له والده وقال :
- أراك شارداً وحزيناً .. لا تقلق لن يغلقوا متجر الألعاب وسيأتوا بالتأكيد بشخص ما ليديره مع أني أحب أكثر صاحبه المسكين الراقد الآن في المستشفى .. ما علينا.
وبدأ والده بحديث آخر … كان قد أنهى طعامه فاستئذن في الذهاب لغرفته وجلس هناك واجماً .. لم يكن يريد حقاً أن يؤذي صاحب متجر الألعاب الذي طالما اشترى له والداه الألعاب من متجره، ولكنه كان يريد تلك اللعبة وما من سبيل سوى هذا .. لكن هناك شيء ما غريب فيما حدث .. لم يمت صاحب المتجر كما حدث مع جده والأستاذ سمعان .. هذا خبر جميل ولكن لماذا ؟؟ .. ما الذي تغير هذه المرة ؟
وبدأ يسترجع بذاكرته عدة مرات ما حصل هناك.. انتبه بعدها أنه أغلق الصندوق بسرعة هذه المرة قبل أن يسقط على الأرض وليس بعد أن سقط.
هل هذا هو السبب يا ترى ؟؟
هل إغلاق الصندوق بسرعة سيتسبب ببعض الضرر وحسب وليس الموت!؟
السؤال الأهم .. هل سيحدث هذا دائماً ؟؟
هذا بحاجة لتجربة أخرى؟؟
يا لي من أحمق وهل أنا في تجربة علمية لكي أقوم بتجربة في كل حين وآخر !؟
الواقع أنني فعلاً في تجربة قد لا تكون علمية ولكنها مرعبة حقاً.
وما دامت النتيجة غالباً لن تفضي الى الموت فخيارات التجربة واسعة الآن حقاً.
هناك شخص معين أريد أن أجرب الصندوق عليه من كل قلبي ..
باسم الذي صدع والداي رأسي بكم هو ذكي ومجتهد وشاطر ..
لنرى إذن إن كان عقله الذكي سيصمد أمام الصندوق.
ضحك ضحكة شيطانية وهو ينظر باتجاه الخزانة.
6 – فقدان ذاكرة لا أكثر
- هل تمتلك تمثال أصلياً للفارس ويلي حقاً.
صاح باسم بدهشة فأشار له بأن يخفض صوته وقال:
- اهدئ قليلاً ولا داعي لأن تعرف المدرسة كلها بذلك .. سيجتمع أولئك الملاعين حولي ولن يتركوني قبل أن يأخذوا التمثال ويحطموه … أنت مختلف عنهم لذلك أخبرتك بذلك.
ابتسم باسم بغرور وقال :
- لا تقلق لن أخبر أحد منهم بسرك .. أخبرني الآن أين التمثال ؟ .. أريد أن أراه وأمسكه بيدي.
- سنلتقي في الحديقة العامة بعد انتهاء المدرسة .. سأجلبه من المنزل وأريك التمثال هناك .. اتفقنا ؟
- اتفقنا؟
ثم أخذ باسم يفرك كفيه وهو يقول بجذل :
- لن أستطيع الصبر حتى ينتهي دوام المدرسة، ولكن ليس باليد حيلة.
ابتسم هو الآخر بخبث وقال :
- لن أستطيع الصبر أنا أيضاً.
وضع التمثال في حقيبته وتسلل خارج البيت .. كان أبواه يغطان في نوم مبكر فلم يجد مشكلة في الخروج من المنزل بسلاسة، لم ينس أن يأخذ مفتاح المنزل المعلق على الطرف الداخلي من باب الخروج، دخل من باب الحديقة الخلفي وأخذ يبحث بنظره عن باسم الذي رآه جالساً في مكان مزدحم فأشار له من بعيد وسار باتجاه مكان خال، أسرع باسم وتبعه وقال له وهو يجلس بجانبه :
- لماذا لم تأتي وتجلس بجانبي.
- ألم ترى ذلك الولد الذي يلعب بجانب المراجيح !؟ .. هذا أحد طلاب الفصل الثالث .. سيرى التمثال ويخبر الجميع بذلك .. ألم نتفق أنه سرنا الخاص!؟
هز باسم رأسه في انفعال وقال :
- مفهوم مفهوم .. والآن أرني التمثال فلم أعد أستطيع الانتظار.
مد يده الى الحقيبة وأخرج الصندوق فنظر له باسم في خيبة أمل وقال :
- ماذا !؟ .. ما هذا صندوق !! هل تسخر مني !؟ … هل التمثال بداخله!؟ .. ولكنه لن يتسع لتمثال بمثل حجم الفارس ويلي أنت ..
كان قد فتح غطاء الصندوق فمال رأس باسم وبدء يضحك بصوت كالعواء فأغلق الصندوق بسرعة فمال باسم على كرسي الحديقة … فلم ينتظر أكثر وركض مبتعداً عن المكان.
لم يأت باسم الى المدرسة في اليوم التالي .. كان هناك كلام كثير حول صحة باسم وما جرى له .. كلام كثير لم يصدق منه سوى ما تكلم به طالب تربطه مع باسم قرابة ما .. قال أنهم وجدوه مغمى عليه على أحد مقاعد الحديقة العامة .. تبين بعد الفحص أنه مصاب بفقدان الذاكرة ولا يتذكر أي شيء مما حدث له .. تقول والدته أنه خرج من المنزل بدعوى أن أحد أصدقائه سيريه لعبة ما نادرة الوجود .. سيغيب لفترة عن المدرسة ثم يعود حالما يتحسن.
لقد تخلص من صداع الرأس المسمى بباسم وذكاءه واجتهاده.
الأمور أصبحت واضحة الآن وأصبح يعرف تماماً كيف يستخدم الصندوق، لن يرتكب مزيد من الأخطاء وسيستعمله في الأماكن البعيدة عن منزله ، هو لا يضمن أن يراه شخص ما ويفتضح أمره، المدينة مليئة بالمتاجر بكل الأحوال.
ابتسم وهو يمسك الصندوق ويتحسسه في جذل.
يتبع …