الصورة من تخيّليّ بواسطة موقع DALL·E

– 1 –

الصباح الباكر وأصوات العصافير المختلطة بوقع أقدام الناس المتجهين نحو أعمالهم، وقفت أمينة تنتظر الباص في هدوء وصبر، هذا نهار آخر ستقضي جزء منه في المواصلات والجزء اﻷكبر في قاعات المحاضرات بالجامعة، مشوار الذهاب والعودة طويل والوقوف يعني تعباً مضاعفاً، ها هو قد أتى مليئاً بالناس كالعادة، ولكن أها .. هناك مقعد خال في آخر الباص في تلك البقعة المنخفضة أمام باب النزول، ستنال الكثير من الاهتزازات في ذلك المكان ولكن لا بأس سيظل ذلك أفضل من الوقوف، أمسكت هاتفها بحماس وقد بدأ الدوبامين بالتحرك عبر خلايا دماغها وبدأت باستعراض محتويات الشبكات الاجتماعية، كان الهاتف مليئاً بها وبدأت كعادتها بالتفاعل معها بسرعة واستغراق، المحتويات المتجددة التي لا تنتهي مهما لمست بإبهامها شاشة الهاتف وهي تحركها نحو اﻷعلى.

يقولون أن الشعور بالزمن نسبي وهذا صحيح لكن أمينة لا تشعر به مطلقاً في أثناء تصفحها لمحتويات تلك الشبكات الإجتماعية وبالكاد ترى ما يلفت انتباهها فقط فمتى استطاع الناس ملئها بكل هذا المحتوى!!؟

رفعت عينيها قليلاً واكتشفت أن الباص قد وصل الى محطتها فلمّلمت أغراضها مسرعة واستعدت للنزول.

هنا لفت نظرها شيء ما ظاهر على شاشة الهاتف، الواقع أننا لا نستطيع تحديد المدة الزمنية التي استغرقتها هذه النظرة ﻷن الشعور بالزمن .. كما تعلمون .. نسبي، لكننا نستطيع ملاحظة أن الباص قد بدأ بالسير قبل نزولها وأن السائق اﻷحمق قد نسي إغلاق باب النزول، هنا أبعدت أمينة عينيها بشرود وأسرعت لتنزل من الباص الذي كان قد سار بالفعل.

الحقيقة أننا لا نستطيع لوّم الناس الجالسين من حولها على عدم محاولتهم منعها من النزول ﻷن الذهول منعهم من استيعاب ما يرونه، فتاة تسير بثقة وتنزل من الباص السائر بشكل متسارع، ما حدث قد نجح في عقد ألسنتهم في الوقت التي كانت أمينة تغيب تحت عجلات الباص*……

– 2 –

قرأت منذ ايام هذه التدوينة بقلم اﻷستاذ عبد الله المهيري والتي تتكلم عن شراء إيلون ماسك لموقع تويتر لقاء 44 مليار دولار وزعمُه أنه فعل ذلك من أجل الإنسانية !! .. ثم حديث عبد الله المهيري .. مع حفظ اﻷلقاب .. عن إمكانية صنع قائمة طويلة بما يمكن أن نفعله .. حقيقة .. بمبلغ 44 مليار دولار.

هذا الكلام دفعني للتفكير بقائمتي الخاصة لو حدث وامتلكت 44 مليار دولار لكي أنفقها من أجل اﻹنسانية وليس من أجل شراء موقع يضم بضعة ملايين من البشر وليس اﻹنسانية كلها على حد زعم إيلون ماسك، وأنا لا أعلم ماذا ستستفيد اﻹنسانية من عملية الشراء هذه وكنت أتمنى لو شرح صاحب تويتر الجديد ما يقصده بهذه العبارة التي استُهلكت كثيراً على مر التاريخ من قبل أناس كان بينهم وبين الإنسانية سوء فهم واضح.

44 مليار دولار مبلغ ضخم حقاً ومن الممكن فعل الكثير به .. وهذا الكثير يتوقف على نظرتك لما قد يفيد اﻹنسانية .. هذا مفهوم ضخم حقاً ومن الصعب جداً أن يدعيّ شخص ما بكل ثقة أنه قادر على إفادة اﻹنسانية ، لكن محاولة تخيل هذا لن تكلف شيئاً سوى بعض الوقت من التفكير ومن ثم الكتابة حول ذلك، ومن يدري لعل هذا الخيال يتحول مستقبلاً لحقيقة.

هناك 44 مليار دولار اﻵن أصبحت في رصيدي البنكي مشروطة أن تكون من أجل اﻹنسانية وها أنا ذا أكتب قائمتي لتحقيق ذلك:

هذه هي قائمتي لو امتلكت 44 مليار دولار وقررت أن أنفقها في خدمة الانسانية،لن أحمل وقتها مغسلة مطبخ وسأكون أعقل من أن أشتري موقع بهذا المبلغ ثم أدعي أنني أفعل هذا من أجل شعار زائف.

قد يكون تحقيق تلك القائمة صعباً وغير واقعي في الظروف الحالية ولكني أؤمن تماماً بأن ما تعود الناس عليه من تكنولوجيا استهلاكية لن يكون متاحاً دائماً ﻷن هذه هي طبيعة اﻷشياء، أحداث كارثية أو حروب كبيرة ستثبت للناس أنهم يقفون على الهواء وأنه كان عليهم .. بدلاً من الابتلاع اليومي للمحتوى الادماني .. أن يكتسبوا المعرفة ويتعلموا مهنة لتأمين حياة مريحة لهم بدلاً من مراقبة صانعي المحتوى الذين يتظاهرون بأن أمورهم بخير وهم حقيقة مجرد لاهثين خائفين من اليوم الذي يحدث شيء ما ويتوقف مصدر رزقهم القائم على مواقع أقرب لشركات إعلان ضخمة تملكها شركات أخطبوطية غير مهتمة لا بإنسانية ولا بشيء آخر سوى تجميع المال.

*هذه القصة مستوحاة من حدث حقيقي حصل في تركيا.