قرأت صباح اليوم تدوينة الروابط للأستاذ عبد الله المهيري، كان هناك رابط يحوي صوراً للهواتف العمومية في أمريكا، أعادت ليّ هذه الصور ذكريات عديدة من سنوات مضت.
بدأت الهواتف العمومية بالانتشار في حلب خلال منتصف التسعينيات، قبلها كانت توجد عدة هواتف يتركز أغلبها حول مكاتب البريد ثم جاء مستثمر ما وجعل تلك الهواتف تنتشر في كل مكان.
في ذلك الوقت … الذي كان فيه الهاتف النقال نوعاً من الأساطير التي كنا نسمع عنها من بعيد .. كان وجود مثل هذه الخدمة ضرورياً من أجل التواصل بين الناس، هناك الكثير من الأمور التي لم تكن لتُقضى لولا الهواتف العمومية، معلومات ضرورية لاستعمالها داخل الدوائر الحكومية، أو للتأكد من وجود أناس معينين في بيوتهم البعيدة لغرض الزيارة، أو السؤال عن الأحوال ومعايدة المرضى ضمن المدينة وخارجها خاصة أن هناك الكثير ممن أوقف خدمة الاتصال بين المحافظات والدول من على هاتفه هرباً من جيرانه وأقربائه الاستغلاليين.
هناك الكثير من الاستعمالات للهاتف العمومي بعضها سلبي كإزعاج الناس أو التكلم خلسة مع فتاة لم تفهم حقيقة المخادعين من المراهقين وغيرهم بعد، وأحياناً كان الناس يزدحمون أمام هاتف ما خاصة في وسط المدينة ينتظرون دورهم الذي قد يأتي متأخراً خاصة لو كان داخل مقصورة الهاتف أحد الأشخاص الأنانيين الذين لا يأبهون لأي شيء غير مصلحتهم وما أكثرهم في كل زمان ومكان.
الطريف أن هناك من كان يصنع نقوداً مزيفة من قطع الثلج .. تصور !! .. قطعة ثلج بسمك وحجم قطعة نقدية حقيقية تدخل ضمن حصّالة الهاتف وتخدع الحسّاس الموضوع ضمنه ويحصل مستعملها على مكالمات مجانية ويحصل بعدها الموظف المسؤول عن تفريغ الحصّالة على مبلغ ناقص القيمة ومبلل أيضاً.
هناك ذكريات كثيرة مرتبطة بالهواتف العمومة لغالب من عاصروا تلك الفترة، الشعور بأن صبرك قد نفذ وأنت تنتظر دورك أمام مقصورة الهاتف ثم تلك اللهفة التي تدفعك للاسراع بالضغط على الأزرار متمنياً أن يرد عليك الشخص المناسب، القصص التي بدأت والتي انتهت من جراء مكالمة، الفرح من خبر نجاح أحد الأعزاء أو انضمام شخص جديد للأسرة أو الحزن من أن شخصاً عزيزاً قد أصبح مجرد ذكرى.
بطبيعة الحال لم تعد هذه الخدمة موجودة في كثير من المدن بعد أن كفّ الناس عن استعمالها واكتفوا بهواتف الذكية لسهولة استعمالها بما لا يقاس مع تلك العمومية، عن نفسي أعتبر إيقاف هذه الخدمة خطئاً كبيراً فقد يتوقف الهاتف الذكي عن العمل في لحظة ما أو يُفقد أو تتوقف الشبكة كلها فيصبح الهاتف العمومي بديلاً حتمياً مع أن الهواتف الثابتة قد اختفت من البيوت تقريباً .. هذه مشكلة حقاً.
الخدمة ما زالت موجودة في مدن عديدة بتركيا ومازلت أرى الهواتف العمومية في شوارع كثيرة، جربت أحدها مرة وسمعت صوت الطنين الممتد .. ما زال يعمل 🙂 ..
الهواتف العمومية ملهمة حقاً وذات منظر مميز بوقفتها الدائمة على نواصي الشوارع بانتظار من يستعملها.
لا توجد تعليقات