قرأت رواية صديق قديم جداً مرة منذ عدة سنوات .. حوالي الستة .. وعدت لقراءتها الاسبوع الماضي.
أحياناً يدور حولك حديث هام بينما تكون مشغولاً البال بشيء ما فلا تستوعب أكثر ما قيل .. ويبقى لديك بعدها ذلك الهاجس الذي يلح عليك باستمرار بأن الأمر يستحق انتباهاً أكثر منك .
هكذا وجدت نفسي أعود لذلك الحديث الذي وجدته فريداً حقاً ..
ما يعجبني بابراهيم أصلان هو أسلوبه في السرد .. بساطة ممزوجة بعمق ومعاني أكثر مما هو ظاهر .. كمية تفكير أكبر من القدرة على كتابتها بحيث يبقى هناك آثار بين الكلمات والسطور والصمت لما لم يكتب .
في مواضع معينة تشعر بأنه يتعمد هذا الاخفاء .. الأمور التي تمنع الكاتب من التصريح كثيرة والأسباب تتعلق بالخوف على حريته ورقبته .. رقبته .. ابراهيم أصلان معلم في هذا الأسلوب من الحكي .. لنطلق عليه اسم أسلوب الكتابة الهامس.
صديق قديم جدا هي مزيج بين المذكرات والرواية والخاطرة يستحضر فيه شخصية عبد الله العجوز والموظف السابق في البريد والذي قام .. زمان .. بتجاوز معين جعلهم يعاقبوه بنقله الى المحلة الكبرى.
والحقيقة أن شخصية عبد الله هي مجرد استحضار لابراهيم أصلان نفسه في القصة كنوع من الحضور الآمن الذي لا يستطيع القارئ من خلاله التمييز بين الذكريات الحقيقية للكاتب وبين تلك الأحداث التي وضعها لضرورة استكمال المشهد .. وهو يقول تلك الحقيقة أيضاً بشكل موارب على لسان بطله عبد الله الذي ينقلنا بشكل متتالي بين سنوات شبابه وبين شيخوخته.
سنوات الشيخوخة التي بدأ حكايتها بصديقه القديم الذي سمع خبر موته من خلال مكالمة هاتفية .. وبين تلك الذكريات البعيدة المسجلة على أوراق وصور موضوعة في تلك الحقيبة المنسية في أحد أركان الغرفة.
ذكريات عمله في المحلة الكبرى وما جرى معه هناك والحكايات المتنوعة ما بين الطرافة والحزن .. وعودته بعدها الى القاهرة وذلك الحدث الذي أنهى به روايته بطريقة جميلة جداً .. أحب النهاية التي تعلق في الذهن مهما كانت .. سعيدة أو حزينة.
العلاقات البشرية القديمة التي لم نعد نلمسها .. السهرات وتبادل الأحاديث والضحكات .. لفت نظري وصفه لفعاليات الجلسات وبالأخص قضية التدخين التي يبدو أنها مركزية عند أبناء جيله.
ذلك الوصف الجميل لوصول العمال في الصباح الباكر الى معامل المحلة الكبرى عن طريق الدراجات التي تمشي بمجموعات ضخمة يومية .. مشهد فريد أرجو أن يكون قد وُثق من قبل أحد ما.
صديق قديم جداً هو من ذلك النوع من الكتب الذي يُكتب من قبل قلم يشعر بأن أيامه باتت معدودة لذلك ستجد فيها باقة من الكتابات والحكايات المرهفة التي لا غرض لصاحبها سوى قول وداعاً بطريقته الخاصة.
هذا مشابه لمكتوب على الجبين وهو الجزء الأخير من مذكرات جلال أمين وهو أيضاً آخر ما نشره قبل وفاته رحمه الله.
ابراهيم أصلان لم يأخذ شهرة كبيرة برغم تميز أسلوب كتابته .. هذا يحدث كثيراً .. الشهرة ليست مقياساً والمشهد أوسع بكثير مما نستطيع رؤيته أو تصوره.
سعيد جدا أنك أعجبت بالرواية، أنا لم أقرأها، وأظن اني للأسف لم أقرأ قط لإبراهيم أصلان، شوقتني أن أقرأ له.. الفكرة أني أحب عندما يكتب الناس أنهم أحبوا كتابا ما ويوصوا به.
إبراهيم أصلان كاتب متميز فعلاً وأشجعك على قراءة إحدى مجموعاته القصصية وهي غالباً صغيرة الحجم ولن تأخذ معك وقتاً.
المراجعات والتوصيات المتعلقة بالكتب جزء أصيل من التدوين الشخصي لأن الكتب كثيرة والبحث عن كتاب مناسب سيستغرق وقتاً من دون توصية .. بالمناسبة أنا أقرأ الآن رواية أوصاني بها أحد الأصدقاء وسأكتب عنها في وقت لاحق.
شكراً على وقتك وأهلاً وسهلاً بك دائماً 🙂