الدنيا أصبحت أكثر برودة وهذا يلائمني أكثر … أشهر البرد هي اﻷفضل بالنسبة لي لأنها تشجع على المكوث في البيت وتفسح الوقت أكثر للاهتمامات التي أفضلها .. القراءة والكتابة وتلك اﻷنشطة التي تتطلب أن تجلس لساعات أمام شاشة الحاسب .. أيضاً هناك أطعمة لا تستشعر لذتها إلا في الشتاء فقط 🙂 .. بينما أنت مضطر في أوقات الحَر أن تمتلك تجهيزات تقوم بتكييف الجو من حولك ليصبح مماثلاً ﻷجواء الشتاء تلك.
أخبرتك في التدوينة السابقة أنني انتقلت الى لينكس من خلال توزيعة فيدورا .. الحقيقة أنني أشعر بالارتياح وبنفس الشعور بالفضول والرغبة في الاستكشاف الذي كان يخالجني مع اصدارات ويندوز القديمة .. التوزيعة استقبلت تحديثاً رئيسياً جديداً خلال اﻷسبوع الماضي واﻷمر مختلف عن تحديثات الويندوز الباردة التي هي مجرد التزام تجاري من الممكن التنصل منه في أي وقت للانتقال الى نظام جديد لاستخراج اﻷرباح من جيب المستخدم باستمرار.
هنا تشعر بأن هناك من يقوم بتطوير النظام ويقدمه لك مجاناً .. صحيح أن هناك أهدافاً تجارية غير مباشرة تتمثل في Red Hat ولكنك لست معنياً فيها ولست أنت من يدفع الثمن، وبالنسبة لي أعتقد أن هذا اﻷمر أفضل ويساهم في استمرارية وقوة أداء التوزيعة مع الوقت.
بالنتيجة أنا أرحت نفسي بانتقالي الى لينكس من أعباء مادية وانتقلت الى بيئة أكثر أماناً بمراحل والى بيئة أقل وصاية عليّ .. بكثير .. كمستخدم.
مترو عنتاب الجديد
في منتصف عام 2019 بدأ مشروع إنشاء مترو في غازي عنتاب .. المدينة التي أستقر فيها حالياً .. هذا المترو سيربط مباشرة بين مناطق واسعة كان الناس فيها يضطرون ﻷخذ مواصلات تسير بهم لساعات طويلة لقضاء مشاويرهم اليومية وما جعلني أشعر بالارتياح وقتها هو أنه يمر من مكان قريب من بيتي ويصل لمكان ملاصق لمكان عملي أي أنه سيوفر عليّ وقتاً ليس بقليل.
الذي حدث أن انتشار الكورونا قد جعل اتمام المترو يتأخر كثيراً الى الخامس من الشهر الحالي تشرين الثاني، وعندما جربته في اليوم التالي اكتشفت أن عليّ السير لمسافة لا بأس بها من بيتي قبل أن أصل للمحطة السابقة لمحطة الحيّ ﻷنهم لم ينتهوا من بعض الانشاءات وتحديداً إقامة جسر يصل المحطة بالمنطقة السكنية التي تقع على تل عال والقضية قضية وقت فقط.
لكن اﻷمر المبهج بالنسبة لي أن المترو اختصر مجمل الوقت الذي كنت أقضيه في التنقل من ساعة وعشر دقائق لحوالي الأربعين دقيقة .. سيصبح أقل عند اكتمال الجسر .. ناهيك عن الازدحام وتمايل الباص المستمر وسرعته المتغيرة التي كانت تشعرني بالارهاق.
ركوب المترو اﻵن بالمجان حتى آخر السنة ورحم الله من أخذ المال من الناس ليقدم لهم خدمات حقيقية تسهّل حياتهم.
هنا على فليكر ستجد صوراً أخرى للمترو وما حوله التقطها على مدى اﻷيام الماضية.
الصغار الذين رضعوا من القطة الميتة
كنا عائدين أنا وأسرتي الى البيت عندما رأينا ذلك المشهد .. ثلاثة قطط صغيرة يرضعون من قطة كبيرة ممددة على العشب داخل إحدى المساحات الخضراء التابعة للمبنى الخلفي المجاور.
طريقة تمدد القطة اﻷم كانت غريبةًوكانت ساكنة بشكل مثير للتساؤل، وعندما اقتربت تأكدت من المشهد الكابوسي الذي ظننت أني سأراه، اﻷم ميتة والقطط الصغيرة يرضعون منها من دون أن يدركوا هذه الحقيقة.
فكرت بأخذ القطط الصغيرة للمنزل والاعتناء بها لكن وجود قطي توم جعل من هذا خياراً شبه مستحيل، فكرنا بأخذهم الى حديقة في وسط المدينة تحوي بيوت إيواء للقطط لكن عندما حاولنا الامساك بهم اكتشفنا أنهم يخافون من البشر وأنهم أسرع بكثير من قدرتنا على اللاحق بهم وخفنا أن تدهمهم عربة ما لو حاولنا الامساك بهم أكثر فتركناهم بعد أن وضعنا بعض مقرمشات القطط وأتى بعض أطفال الجيران بعلبة تحوي حليباً ووضعناه بجانبهم ثم مضينا.
خلال اليومين التاليين كنا نضع بعض الطعام بالقرب من اﻷم الميتة لكي تأكل القطط الصغيرة منها التي كانت .. والحمد لله .. بعمر يتيح لها اﻷكل بمفردها .. وفي اليوم الذي سبق اختفاء القطة اﻷم الميتة الذي لا بد أن عمال البلدية قد أزالوا جثتها شاهدنا إحدى تلك القطط الصغيرة تجلس فوق جثة أمها وكأنها تنتظر .. تنتظر ماذا !!؟ 🙁
كان ازالة جثة القطة اﻷم عامل راحة بالنسبة لنا وبالنسبة للقطط الصغيرة التي لن تستطيع أن تكمل حياتها مع وجود تلك الجثة وتلك الصلة بينها وبينهم.
البارحة رأيت في الصباح إحدى تلك القطط في حديقة المبنى ووضعنا لها بعض المقرمشات .. هكذا صارت الحياة تمضي بشكل طبيعي برغم المأساة التي حدثت.
المنطق المختلط بالخَراء
أعتذر منك أولاً على العنوان الذي قد لا يليق أن يُكتب .. ولكني أعتقد أن قراءتك لما سأكتبه لاحقاً سيجعلك تغفر لي .. ولو بشكل جزئي .. كتابتي له.
البارحة كنا في السوق .. أنا وزوجتي .. نشتري بعض اﻷلبسة .. الشتاء قد حلّ وهناك مشتريات لا مفر منها .. أنا لا أحب هذه النوع من النشاط الشرائي وأراه مضيعة للوقت ولكنها أعباء لا مفر منها.
انتهينا من الانتقاء ووقفنا ضمن الدور الطويل الذي لا بد أن يحدث في يوم عطلة .. كانت تقف أمامي امرأة تركية كبيرة في السن وأمامها عائلة سورية مكونة من أم وابنة بعمر خمسة عشر عاماً تقريباً وأخرى تحت سن العاشرة.
في البداية لاحظت أن المرأة الكبيرة في السن تتململ وتحاول تجاوز العائلة التي أمامها من دون جدوى طبعاً .. وعندما وصلنا قرب طاولة البائعين الذي يقف عليها خمسة منهم في أماكن متباعدة حصل اﻵتي:
حان دور المرأة العجوز فلم تذهب الى المكان الخالي ووقفت تنظر بثبات نحو العائلة السورية التي ذكرتها .. وبعدها بدأت تتكلم بصوت عال وبعصبية .. الذي فهمت بعدها أنها تتهم العائلة بأنها سرقت إحدى قنينات العطر الموضوعة أمام البائعين بطريقة تغري بالشراء من دون تفكير .
اﻷم فتحت حقيبتها وأرتها للبائعة التي لم تجد القنينة بها ولكن المرأة أصرّت على كلامها وأن قنينة العطر ستكون معنا نحن .. أنا وزوجتي .. لو لم تكن مع تلك العائلة … فخرجت العائلة من الدور ووقفت جانباً لكي تفتشهم البائعة.
بعد اتهام العجوز هذا شعرنا بصدمة كبيرة وبدأت زوجتي توجه لها كلمات غاضبة وتلك الحمقاء العجوز ترفع صوتها وتصرّ على كلامها.
في النهاية اكتشفت البائعة أن قنينة العطر كانت موجودة في حقيبة الفتاة الصغيرة التي بدأت بالبكاء ..
الذي حدث بعدها أن الناس .. ومن ضمنهم نحن .. بدأوا ينظرون للمرأة العجوز بازدراء وأحد الرجال اﻷتراك قال لها بصوت عال أنه من المعيب أن تفعل هذا بهذا الشكل الفضائحي ولكنها بقية مصرة على كلامها وصوتها العالي .. فأعاد الرجل نفس قوله بتصميم .. وقمت أنا بإصدار صوت طقطقة حاد يدل على نفاذ الصبر .. الذي نفذ فعلاً منذ زمن .. فخرُست وأخذت مشترياتها وأسرعت بالمغادرة.
بالطبع لم يكن مطلوباً من المرأة العجوز أن ترى الذي رأته وتسكت، ولكن اﻷعمال الصائبة تفقد قيمتها إن قام بها الناس بوسائل غير صائبة بخاصة أنها بدأت تطلق الاتهامات عشوائياً وكأن المهم هو فقط أن تعود قنينة العطر الى ملكية المتجر ولا يهم ما يصيب الناس من إهانات بعدها .. عداك عن الإنتقائية العنصرية التي فعلتها بحيث حصرت الاتهام بأناس لهم انتماءات إضافية مختلفة عن إنتماءها.
لماذا قصصتُ عليك تلك الحادثة ؟
لكي أؤكد على مفهوم عدم عمل فعل اﻷشياء الصائبة بطرق غير صائبة ولكي أوضح حقيقة أن هناك العديد من التفاصيل التي تحدث من دون أن يتم ذكرها عندما يُحكى ما جرى ككلام ذلك الرجل الذي لم يكن على استعداد أن يرى عائلة .. أي عائلة كانت .. قد تعرضت للتشهير أمامه ويقف صامتاً ..
لقد رأيت في هذا البلد العديد من تلك المواقف على مدى السنوات الماضية من أناس كان يهمُهم أن يقفوا بمواجهة التعدّيات العنصرية أو التي تحمل هذه الشبهة وكان بوسعهم أن يكتفوا بالفرجة فقط.
من المهم أن يُذكر ما فعله هؤلاء المحترمون وليس فقط تلك التفاهات التي يقولها من أغلق عقله واكتفى بترديد الاتهامات الفارغة باستمرار.
الاعلام يساهم أحياناً .. بقصد أو بدون قصد … في إيصال صورة مغالطة بحيث يُظهر الاتجاهات السلبية على حساب الحقيقة الكاملة.
أرجو أن تكون قد غفرت لي ذلك العنوان الذي كتبته 🙂
العنصرية شيء مخز. جميل هذا المترو الجديد. عقبالنا ..
أمين يارب أتمنى لكم الخير دائماً … نعم العنصرية أمر مخزي يأتيك بطرق غير متوقعة.