مرحباً بك يا صديقي ..

ذهب البرد وأتى الربيع .. وبدأت الناس تقترب أكثر من الشُرفات والشبابيك..

ذلك الدفء الممزوج بنسمات باردة منعشة .. الهواء الذي تتنسمه بعمق وفي خاطرك أن هذه الأيام لن تدوم طويلاً وأن الصيف قادم بلهيبه وعرقه.

الربيع يحمل طاقة ايجابية لا بأس بها .. احتفالية تشارك فيها أغلب الموجودات من حولك .. الحيوية التي حبسها البرد طويلاً تجوب مستعجلة في الأنحاء قبل أن يعيدها الحر الى مكمنها.

مرحبا بك مرة أخرى.

مفهوم الجمال في البيوت

يختلف الناس في الغالب حول مفهوم البيت الجميل .. هناك من يراه قصراً حوله منطقة خضراء وهناك من يراه فيلا قريبة من الخضرة والبحر وهناك من يرى أن البيت المستقل الواقع ضمن منطقة ثرية محروسة جيداً هو غاية الحياة ومنطلق الحياة.

كل هذا جميل ولا يختلف أحد عليه وعن نفسي سأكون راضياً بأي أحد منهم بكامل التواضع 🙂 .. لكني أقصد تحديداً بمفهوم البيت الجميل التفاصيل الداخلية التي يحتويها وبالتحديد أحجام غرفه وملحقاته ..

البيوت الكبيرة لا تواجه غالباً مشكلة بهذا الخصوص فكل ما فيها واسع وكبير .. ولكن الحياة الاستهلاكية كما تعلم وضعت يدها على كل شيء وبدأت مساحات البيوت تتقلص مع تصاعد الزحام خصوصاً في المدن عالية الطلب على الأيدي العاملة.

هكذا ستكتشف أن الحصول على البيت الذي تتمناه صعب جداً ويتطلب أن يكون صوت الخشخشة في جيبك عال.

وستجد نفسك مضطر للتنازل عن تفاصيل معينة وبالمقابل ستفتقد تفاصيل أخرى ستكتشفها بعد أن يقع الفأس على الرأس.

لكل واحد منا تفضيلاته .. عن نفسي أفضل البيت الذي يمتلك مطبخاً واسعاً .. المطابخ الواسعة نعمة لأنك تستطيع أن تحوله الى بيت كامل .. ضع فيه كنبة في إحدى الأركان وطاولة طعام أمام الشباك .. ماذا سينقصك بعدها !!؟ .. لا شيء.

المطبخ المضاء جيداً بضوء الصباح أو مصابيح المساء عروس بكامل زينتها .. طبعاً سيكون هناك بعض الأضرار الجانبية المتعلقة بتكور البطون ووجود الطعام بمتناول اليد أكثر من اللازم ولكن وبكل الأحوال يتفق علماء الأغذية القابعون على يوتيوب بأن بعد المسافة عن الثلاجة ليست عائقاً لمن تدغدغ أحلامه تلك الوجبات الشهية التي تحتويها.

الأمر الآخر هو الشرفة العريضة .. المكان الجميل الرحيم .. مكان سهراتك الليلة وفطورك الصباحي .. وإن كنت من أصحاب القسمة باطلالة خضراء جميلة خالية من شبابيك وعيون المتطفلين فثق أن الله أنعم عليك بجنة أرضية صغيرة.

أمر آخر قد تستغرب من ذكري له .. أتحدث هنا عن الحمام ودورة المياه .. أغلب المباني الحديثة لا توفر أي إضاءة طبيعية لهما وتشعر وأنت تستعمل أحدهما بأنك محبوس في قبو .. لن أتحدث كثيراً عن هذه النقطة .. فقط جرب الدخول الى دورة مياه تمتلك شباك يدخل منه ضوء الشمس وستعرف قصدي تماماً.

البيوت الجميلة نعمة من الله ولكل منا اختياراته .. لا حرمنا الله منها.

لهاث

تصور أن يتصل بك رقم مجهول وترد لتسمع صوت لهاث ثقيل على الطرف الآخر من الخط.

هذا ما أتخيله عندما يرسل لي مجهول ما على تطبيق تراسل .. ما أكثرهم هذه الأيام .. كلمة تحية ثم لا يضيف بعدها أي شيء آخر.

السكوت هنا غريب ومريب فعلاً .. هو لا يقف أمام باب بيت ويدقه منتظراً الرد ليتأكد من وجود أحد في البيت ليلقي التحية بعد أن يفتح الباب .. هذا موقف تفاعلي بحت.

لكن بالنسبة لارسال نص الى هاتف فالأمر مختلف تماماً وليس هناك ما يمنعك بأن تقول ما تريد بالضبط لأنه وجود أحد ما على الطرف الآخر أمر مؤكد وإلا فلن تتمكن من الاساس من ارسال حرف واحد.

لذلك لا أرد على أولئك الذين يكتبون تحية منتظرين رداً مني بدلاً من أن يدخلوا في الموضوع مباشرة وبعدها لي الخيار بأن أرد أو أتجاهل الحكاية كلها.

طبعاً أن هنا أتكلم بطريقة معيارية متجاهلاً حقيقة بسيطة وهي أنني اشتريت الهاتف واشتركت بخدمة الانترنت لكي أستعمله لمصلحتي الخاصة بالمقام الأول وليس لتحقيق رغبات الآخرين وأرجو يا صديقي أن تفكر قليلاً بهذه النقطة قبل أن تتهمني بالأنانية.

باختصار الأمر عندي على هذا النحو : قل ما تريده دفعة واحدة ولا تنتظر أي اشارة على أنك مقبول أو لا وبعدها اذا تم الرد عليك فهذا جميل وإن تم تجاهلك فهنا ستكون قد خرجت بخبرة حياتية ممتازة .. ليس هناك دائماً جواب وراء كل باب.

الخروج من الثقب الأسود

سمعت اليوم صباحاً خبر وفاة رائد الفضاء محمد فارس في أحد مستشفيات ولاية غازي عنتاب حيث أستقر حالياً ..

محمد فارس كان أحد وجوه الثمانينات اللامعة بامتياز .. كان لدي ميدالية تذكارية منقوش عليها صورته مع عدد ممن كانوا معه في الرحلة الفضائية وضاعت من ضمن ما ضاع جراء عملية النهب التي تعرض لها بيتي بحلب لا سامح الله من فعل ذلك.

النظام السوري بدءاً من حافظ الأسد وانتهاءاً بابنه بصفته نظاماً ديكتاتورياً كان دائم البحث عن الانجازات التي تساعده على تغطية الكثير من الحقائق القذرة وخصوصاً ما حدث في مجازر حماة وحلب وغيرها .. تلك الأمجاد الوهمية التي كان يساعده عليها أسياده الكبار وما أكثرهم .. بينما كان الشعب يريد تحقيق تاريخ شعبي فريد خاص به وهو يستطيع الكثير كأي شعب لولا الخوف والحكم العسكري المسلط عليه.

في ظروف أخرى كان من الممكن أن يكون محمد فارس رحمه الله جزءاً من مشروع وطني بالكامل لارتياد الفضاء لكن بطبيعة الحال لا تصنع الديكتاتورية أيّ أمجاد.

لكن بالنسبة له كان على موعد فيما بعد لكي يثبت للجميع بأنه .. كرائد حقيقي .. كان يستطيع الخروج من مدار النظام الضيق المظلم الى المدار الواسع للثورة والشعب .. الخروج من الثقب الأسود التي وقعت فيه سوريا وشعبها منذ عشرات السنين ولم تتمكن من الخروج منه حتى الآن.

خروج صعب كلفه كل مكاسبه الشخصية .. المواقف المشرفة ليست مجانية بالتأكيد.

رحمه الله وأعاننا ليأتي ذلك اليوم الذي ستخرج فيه سوريا من ثقبها الأسود.