الصورة من تأليفي بواسطة Adobe Firefly

مرحباً بك يا صديقي

أشعر هذه الأيام بحنين كبير لسنوات سابقة من حياتي وتحديداً السنوات التسعة الأخيرة التي قضيتها في حلب قبل أن أضطر .. ككثير من الناس .. الى المغادرة التي كنت أحسبها مؤقتة بتوقيت محدد ولكن وبعد كل هذه السنوات .. اثنتا عشر سنة .. يبدو أن توقيتها مفتوح ويوشك أن يكون التوقيت الرسمي المعتمد.

غربة غير اعتيادية لا تستطيع معها أن تعود أو أن تزور ولو على فترات متباعدة .. الذكريات والأحوال الموجودة في ذاكرتك لم يعد لها وجود واقعي .. هذه هي الحقيقة المؤلمة التي تحاول تجاهلها دوماً.

تشعر مع تراكم السنوات بفقدان الحيلة والأمل وبحقيقة أنك تتغير .. ككل ما في هذه الدنيا .. وأن ما تشعر به تجاه تلك السنوات هو نوع من الوهم تسببت به سنوات الانقطاع .. الحنين الى سنوات الطفولة والشباب الأولى التي تأتيك مع تقدمك في سنوات الكهولة.

لكن .. بكل الأحوال .. تبقى حيلة التمسك بالأمل تعمل بكل كفاءة .. يوم ما سيتاح لك العودة الى المكان الذي عشت فيه ثلاثين سنة من عمرك .. سترى الكثير من التغييرات وقد تتعرف عليه بالكاد ولكن تبقى هناك القليل من تلك الملامح القديمة التي تعرفها جيداً .. الملامح التي لن يدركها من بقي هناك بعكسك أنت.

مرحباً بك مرة أخرى ….

الثلوج والقصور الذاتي

لم تسقط الثلوج بشكل كاف هذه السنة .. وأقصد بالشكل الكافي أن يمكث الثلج لاسبوعين مثلاً ويجلس معظم الناس في بيوتهم بشكل يحاكي ما حصل في زمن الكورونا.

وأنا لا أعتقد بأن الجلوس في المنزل لفترة ما نوع من أنواع الترف وأتكلم هنا عن الجلوس لأسباب غير سلبية مثل المرض أو ترك العمل .. المشكلة أن مشاغل الدنيا تُنسي الانسان الكثير من الأشياء والرغبات والأخطر أنها توهمه بأن الحياة التي يعيشها هي أفضل العوالم الممكنة وأنه لا شيء أفضل مما كان مع أنه .. في الغالب .. دخل في هذه الدوامة من دون تخطيط على مبدأ ” جعلوه فانجعل” على رأي دكتور أحمد خالد توفيق.

التوقف لفترة ما عن الروتين اليومي الذي جعلناه نحن حتمياً ليس أمراً سيئاً .. وإعادة تخطيط الحياة وترتيبها أمر ضروري جداً .. استمرار الحياة على نسق واحد لفترة طويلة لا يسمى استقراراً .. الاستقرار هو أن تعرف الى أين أنت ذاهب تحديداً .. غير ذلك قد تفاجئ في لحظة ما بأن الطريق أصبح مسدوداً بالكامل .. وأنت لا تملك القوة ولا الصحة ولا الأدوات لكي تعود أدراجك لتبدأ من جديد .. كان هناك مفترق طرق أمامك وأنت بسبب القصور الذاتي لم تتوقف قليلاً لتأخذ قراراً ما.

لم تسقط الثلوج بشكل كاف هذه السنة .. لنأمل أن يحدث عكس ذلك في الشتاء القادم.

تومب رايدر من جديد

خلال سنوات التسعينات وبعد تواجد الحاسب الشخصي في المنزل بدأت أتعرف على أمور كثيرة يجمع بينها تلك النشوة المستمدة من تجربة شيء جديد بالكامل .. هذا النوع من التجارب الذي لم نعد نشعر به هذه الأيام.

من بين تلك التجارب كانت ألعاب الكمبيوتر التي لا تقارن بها ألعاب الأتاري المسطحة البسيطة التي كانت .. برغم ذلك .. قادرة على إبهارنا لفترة طويلة.

ألعاب الكمبيوتر التي جعلت الخيال ينتقل لأبعاد أكثر واقعية وقابلية للاندماج .. الواقع أن فترة التسعينات حملت لأصحاب الحواسب الشخصية مجموعة كبيرة من الألعاب التي لا تُنسى ومن بينها سلسلة Tomb Raider ولارا كروفت شخصيتها الرئيسية المغامرة التي تحاول منع شيء ما خطير من الحدوث .. شيء تحاول جهة ما أن تستغله لكي تسيطر على العالم أو تلحق به ضرراً ما.

وقتها كانت الألعاب في المجمل تحوي قصصاً قوية تصلح لأن تكون سيناريوهات لأفلام سينمائية .. حصل هذا فعلاً عدة مرات وتحولت بعض الألعاب لأفلام سينما .. كانت قصصاً مبهرة بعكس هذه الأيام التي تعتمد فيه الألعاب على الابهار وعلى التقنيات البصرية بحيث تكون مطالباً بتغيير كرت الشاشة باستمرار لكي تستطيع تشغيل الألعاب الحديثة.

بدأت بلعب سلسلة Tomb Raider ابتداءاً من الاصدار الثاني وكان لي طقس معين في لعبها وهو أن أخفض صوت الخلفية الموسيقية لأقل حد وكنت أضع بدلاً منها أغاني لفيروز .. تصور هذا .. وكان الأمر ممتعاً أكثر تحديداً في مرحلة تدخل فيه لارا كروفت الى سفينة غارقة .. جو اللعبة كان صالحاً بامتياز لسماع أغاني فيروز ولا تسألني كيف !!؟ 🙂

خلال فترة قريبة وأثناء تصفحي لألعاب منصة ستيم اكتشفت أن هناك من يقوم باعادة تجديد الاصدارات الثلاث الأولى من السلسلة .. لم تكن الألعاب متاحة بعد ولكني اشتريتها لوجود خصم لا بأس به ينتهي عند اتاحتها.

اشتريتها وانتظرت بلهفة موعد الاتاحة الذي كان منذ أربعة أيام وبدأت البارحة بالاصدار الثاني كما فعلت أول مرة .. وعندما وصلت لمرحلة السفينة وجدت نفسي ألغي الخلفية الموسيقية وأضع أغاني فيروز .. نحن نحب تجربة الأشياء القديمة في أوقات معينة 🙂 .. الواقع أنها ليست تجربة قديمة بالمعنى المفهوم لأن دقة رسومات اللعبة كانت أفضل بكثير من الاصدار القديم وصوت فيروز يخرج بشكل أفضل بكثير من ذلك المكبر الذي كنت أستعمله أول مرة.

هذه من اللحظات القليلة التي تشعر فيها أنك قمت بعربدة آمنة على أكمل وجه.

روائح

أريد أن أعترف لك بأني أحب شمّ روائح الطبخ المنبعثة من البيوت .. وقبل أن تخبرني بحقيقة أن الشمّ ليس إرادياً وأننا مجبرون على شمّ روائح عديدة تكون مقرفة في أوقات عديدة أقول لك بأنني أتحدث عن الشمّ الارادي تحديداً.

تلك الروائح التي قد تشمها أثناء سيرك في شارع ما وتدفعك الى التمهل أو التوقف أحياناً لكي تستعمل أنفك في استغراق أثناء شمّك لتلك الروائح المبهرة التي تنبعث من مطبخ ما .. الروائح التي تجعل خيالك يعمل بكفاءة ليمسك قلماً ما ويرسم لك ملامح ذلك البيت مصدر الرائحة .. السعادة والروائح الطيبة أصدقاء بالضرورة ولا تنسى أن هناك ألوان من السعادة ولا يشترط أن تكون السعادة طاغية لتتواجد في مكان ما.

تلك المطابخ التي ستكون محظوظاً لو دعيت لبيت يضمّ أحدها .. التلذذ بروائح الطبخ قبل تجربته حكاية بحد ذاتها بحيث تحتار بين رغبتك ببقاء هذا التلذذ لأطول وقت ممكن وبين رغبتك الجامحة بتجاوز كل هذا وتجربة الطعام نفسه.

السعادة هي ملح الحياة ويكفي قدر بسيط منها لكي تجعل للحياة طعماً .. وروائح الطبخ الطيبة تخبرك بأسرار لم تعد خفية لأناس مجهولين بالنسبة لك .. أناس يدركون تماماً أن الطبخ الطيب هو لون من ألوان السعادة.

أكثر المطابخ التي تفوح بالروائح الطيبة هي مطابخ الفقراء والطبقات المتوسطة .. أولئك الذين يحترفون صناعة الأطايب مما هو متاح مهما كان متواضعاً .. مطابخ الأغنياء تكون خاوية غالباً ويكون طعامها مستورداً خالياً من الطعم والروح .. طعام ليس من صنع سكاكينها وأوعيتها.

روائح الطعام الطيبة تنبعث من مطبخ تعلم صاحبته تماماً كيف تُصنع البهجة في البيت وتعلم كيف تجعل الأرواح والآمال معلقة بتلك الأوقات التي تُقضى في مطبخها وتعلم أيضاً كيف يكون مكان اجتماع أولئك المشتتين في الأرض من أول الصباح وحتى اقتراب المغيب.

روائح الطعام الطيبة تسري في الأصل من قلب ماهر في جعل قلوب أهل البيت تدور حوله.

وأنا لا أمنع نفسي في لحظات ما من التمهل لأخذ نصيب ما من هذه البهجة.

هذا كل مالديّ الآن.

الأوقات السعيدة عادة ما تنتهي بسرعة.

سعدت بلقاءك اليوم وأنتظر زياراتك دائماً.

الى لقاء آخر.