رائحة الخريف بدأت تنتشر ومازلت أستطيع شمّها رغم تعطل حاسة الشم عندي منذ بداية هذه السنة لتأتيني بشكل عشوائي ولمدة قصيرة في كل مرة بحيث أهرع نحو أي شيء قابل للأكل لأذوق طعمه الذي حُرمت منه لأشهر طويلة.
رائحة الخريف التي تحاول إيقاظ ذكريات قديمة لا توصف بالسرور، أول يوم في المدرسة ورائحة وقود التدفئة ووقود السيارات المنتشر في الجو عوضاً عن رائحة الهواء المنعش التي من المفرض أن يبدأ النهار بها.
تحاول إيقاظها وتفشل فمن يرغب حقاً في أن يتذكر مثل تلك الأشياء !؟.
عندما تتثاءب المكتبة العامة
وأنا مازلت أتابع مسلسل “seinfeld” في شغف وأحياناً أشاهد حلقتين معاً، أحب الأجواء البسيطة في تلك المسلسلات الأمريكية الكوميدية القديمة، وبرغم اختلاف الثقافات وما يُضحك وما لا يُضحك فإني فعلاً لا أكف عن الضحك في أوقات عديدة خلال الحلقة، هناك نوع من السخرية التهكمية يعجبني جداً وخصوصاً حلقة المكتبة في الموسم الثالث التي وجد جيري نفسه ملاحق من قبل ضابط المكتبة العامة لأنه لم يرجع كتاباً استعاره منها منذ نحو عشرين سنة !!.
البيروقراطية الحكومية عندما تتثائب وتتحرك 🙂
ذكرتني الحلقة بقصة “شرطي المكتبة” لستيفن كينغ عندما وجد شخص آخر نفسه في موقف مشابه ولكن أكثر رعباً بمراحل، هذه قصة رعب جيدة حقاً أنصحك بقراءتها لو لم تكن قد فعلت، هناك ترجمة عربية لها ضمن سلسلة “روايات عالمية للجيب” قام بإعدادها أحمد خالد توفيق رحمه الله.
التربية عمل بالنتيجة
هناك من يقلل من أهمية رعاية أبناءه والبقاء معهم لوقت كاف والتحدث إليهم والاستماع لهم وارشادهم للسلوك الصحيح.
الأطفال وافدون جدد للحياة وهم مسافرون لا يعرفون شيئاً عن مكان تواجدهم لذلك لا يكفون عن الفضول وطرح الأسئلة حتى يحصلون على الإجابات وفي حال غياب من يهمه مصلحتهم فقد يسمعون تلك الإجابات من مصادر خاطئة تماماً تؤدي بهم الى طرق مفروشة بالجحيم.
التربية هي نوع من الأعمال وهو عمل صعب لا يتفوق عليه أي اختصاص سواء كان طبً أو غيره، المشكلة هنا أن هناك من يعتبر أن نجاحه الشخصي هو أهم بكثير من العناية بأولاده وببيته وأنا أقصد هنا الرجال والنساء على حد سواء وإثبات الذات لا تعني أن تهمل أي أحد أو شيء من أجل تحقيقه.
مرة كنا مجتمعين في مكان ما ودخلت الغرفة طبيبة وبصحبتها طفلها الذي لا يتجاوز السادسة من عمره، وتبادل معها شخص ما عبارات الترحيب ووجه سؤال لابنها عن الصف الذي يدرس فيه، وأجابه الطفل بنظرة بلهاء وفم مفتوح وكأنه لم يفهم ما قاله، فسارع ذلك الشخص الى القول بأن أطفال المكان الذي نعيش فيه محظوظين لأنهم حصلوا على فرص أكثر من تلك الموجودة في مكان آخر، وأنا كتمت ضحكة كادت تفلت مني وأنا أتخيل تلك الفُرص الذهبية التي حصل عليها ذلك الطفل ذو النظرة البلهاء والفم المفتوح بوجود عائلة ليس عندها وقت بالاهتمام به لدرجة لم يستطع فيها اكتساب مهارة الحديث مع الأشخاص والرد على أبسط الأسئلة.
من يعتقد أن مجده الشخصي أهم من عائلته ومسؤولياتها هو شخص لم يخرج بعد .. للأسف .. من مرحلة الطفولة.
نوستاليجيا تقنية
أشعر هذه الأيام بالحنين للحواسب وأنظمة التشغيل القديمة، تلك الأيام الذي كان الحاسب الشخصي فيها شخصياً حقاً قبل أن يتحول لشيء أشبه بصالات الانترنت القديمة التي كان الناس يستأجرون فيها مقعداً أمام الحاسب لقاء مبلغ مالي، هذا مشابه لما يحدث الآن بعد أن تحولت أغلب الخدمات والبرامج الى نظام الدفع الشهري أي أنك لا تملك تلك الخدمة أو ذلك البرنامج، هذا مقال من مدونة الأستاذ عبد الله المهيري يتحدث عن هذا الموضوع، مضى عليه خمس سنوات تقريباً ولكنه مازال صالحاً تماماً للقراءة.
وأنا بدأت منذ مدة بالتخلص من كل الخدمات قدر الإمكان، استبدلت برامج أدوبي ببرنامجي معالجة صور ورسم ثنائي الأبعاد من Affinity ،وهي جيدة حقاً وتكفي وزيادة للمختصين وغير المختصين بهذا المجال، وأنا استعمل نسخة محلية من حزمة أوفيس 2016، جميع ما ذكرت يعمل طبعاً من دون اتصال انترنت و Affinity ذكرت صراحة أن تسجيل الدخول الموجود ضمن البرنامج لا يعني أنك لن تتمكن من تشغيله بلا اتصال انترنت.
بقية البرامج التي أستعملها مجانية بالفعل، محرر الأكواد والمتصفح، أستعمل فايرفوكس كمتصفح أساسي وكروم لاستعراض الكود فقط
بقيت لدي اشتراكات في خدمات كأبجد و دوولينجو وهذا أمر طبيعي لأن أولهما هي أشبه بمكتبة عامة تضم آلاف الكتب الجديدة وغيرها والأخرى خدمة تعلم للغة الانجليزية، هذه ليست برامج انتاجية بالنتيجة.
هكذا لن أستيقظ ذات يوم لأجد نفسي أستعمل برامج قد تتوقف عن العمل في أي لحظة لظروف ستكون في الغالب خارجة عن إرادتي، أريد أن أمتلك البرامج التي أعمل عليها لا أن تقوم هي بامتلاكي.
وأنا بكل الأحوال أشعر بالحنين الى تلك الأيام الجميلة رغم بدائيتها أيام كنت أعمل على حاسبي الشخصي من دون أن تحاول العديد من البرامج والخدمات أن تدس أنوفها في ملفاتي.
لا توجد تعليقات