مرحباً بك يا صديقي

هذه أيام أسى ينتاب المرء في كل لحظة .. ذلك النوع من الأسى الذي يشعرك بنوع غير مجد من الرضا من حقيقة أنك على الأقل لم تكمل حياتك بشكل طبيعي وقد تجاهلت كل شيء .. الواقع أن دفن الرأس في الرمال لم يعد يفيد ولو فكرت في هذا كسبيل للخلاص لأن مشاهد أشلاء الأطفال والنساء والرجال وأصوات المكلومين ستصل لك مهما فعلت.

لم يعد هناك مكان للأحزان العابرة أمام ما يحصل وسيحصل .. لو كنت تتصور أن الأمر سينتهي بقرار هدنة أو وقف اطلاق نار فهذا لن يحدث .. ما دامت هناك عصابة ما تحوم في الأجواء من دون رادع فاليوم جارك وغداً جارك الآخر وصولاً .. بالتأكيد .. لك أنت للأسف.

تعال واجلس بجانبي لكي نتحدث .. نحن نحب أكثر سماع كلام وأصوات أنفاس حولنا في ساعات الحزن ولا نعبأ بها كثيراً في لحظات الفرح الحقيقي .. ذلك الفرح الذي لم نذقه منذ وقت طويل.

مرحباً بك مرة أخرى.

المقاطعة كإسلوب حياة

يكثر الحديث عن جدوى أي مقاطعة اقتصادية في كل مرة ترفع الأصوات المطالبة بها .. هناك حجج كثيرة تقال بهذا الصدد منها أن أغلب ما نستهلكه هو من منتجات شركات متدرجة من كونها صهيونية خالصة الى أنها مؤيدة بالمساندة الاعلامية أو المال للكيان الصهيوني.

وعادة تكون تلك المقاطعات وقتية تنتهي بتوقف الأسباب مع أن ذلك التوقف يكون عادة مؤقت وما يلبث أن يعود في لحظة ما فتعود الأصوات المطالبة بالمقاطعة وهكذا ….

في العموم المقاطعة الكاملة هي غير ممكنة في الواقع الراهن خاصة في المجالات التي لا توجد فيها بدائل خاصة التكنولوجية منها وأنا لا أقصد هنا الخدمات المتخصصة بل المحيط التقني بشكل كامل.

لكن المقاطعة المؤلمة فعلاً هي مقاطعة نمط الحياة الاستهلاكية نفسها .. لاحظ أن أكثر المنتجات المربحة هي منتجات لن تتوقف حياتك على وجودها من عدمه .. بالعكس هذه المنتجات بالتحديد هي من يقصف عمر البشر باستمرار وبلا توقف .. منتجات يشتريها الناس بأثمان باهظة ويدفعوا بعد استهلاكها أثمان باهظة من حياتهم وحياة من حولهم … المياه الغازية .. القهوة التي ليست قهوة حقيقية .. العصائر المليئة بالسكر .. السكاكر .. السجائر .. الوجبات الجاهزة واللحوم المصنعة وغيرها مما يشبهها الكثير.

هذه المنتجات لها بدائل فعلية صحية ومتوفرة محلياً ولن تفعل بك ما تفعله تلك المركبات الكيميائية .. ما يجب عليك فعله حقيقة هو أن تكفّ على الاستهلاك بهدف الاستهلاك والشعور بأن حياتك رائعة مع وجود كل هذه الماركات العالمية الفخمة في حياتك .. عندها ستكون المقاطعة أسلوب حياة أنت الرابح فيه بالدرجة الأولى .. وعندها لن يجد داعموا المجرمين شلالات الأموال التي يدفعونها لكي تصبح حياتك أكثر تعاسة حتى تسرع لاستهلاك أحد منتجاتهم لكي تهدأ من أعصابك وتشعر برضا كاذب لتستمر العجلة بالدوران.

الكتب طارت في كل مكان

أنا لم أعرف هالة أحمد صالح سوى اليوم صباحاً عندما غرّدت رولا البنا بأنها استشهدت .. الواقع أن الشهادة أصبحت فعل يومي في غزة .. باب فتحه الله للمظلومين هناك بعد أن أنهكهم الحصار والمتفرجين والخذلان .. باب لا يحتاج فتحه لإذن من أحد فضلاً عن المجرمين أنفسهم.

هالة قارئة تحب الكتب وكانت تحلم .. ككل قارئ .. بمكتبة .. مكتبة تملأ غرفتها والدنيا كلها لو استطاعت.

قالت هالة قبل استشهادها أن بيتها قصف جزئياً وأن الكتب طارت في كل مكان .. من السهل أن تكسر قلب أي قارئ .. فقط دع كتبه تتطاير وتختفي.

أنا أعرف هذا الشعور وجربته من قبل .. مكتبتي التي اختفت وكأنها لم تكن ولم أعرف مصيرها .. يقولون أن الكتب لا تُسرق وهذا صحيح .. ولكنها قد تحرق بغرض التدفئة من حمقى ظنوا أنهم يحسنون فعلاً .. أو من صهاينة لا يكفون عن سرقة كل شبر من حياتك ولا يوفرون حتى حياتك نفسها.

أعتقد وأرجو أن تكون هالة قد حصلت على المكتبة التي تريدها الآن ..

“ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون” .. صدق الله العظيم.

السافل في القلعة العالية

الرجل في القلعة العالية .. مسلسل أمريكي معروف الى حد ما مأخوذ من رواية يحمل نفس اسمها .. تخيل الكاتب أن من ربح الحرب العالمية الثانية هم النازيين واليابانيين وليسوا الحلفاء .. وأن الولايات المتحدة قد قسمت لمنطقة يحكمها الرايخ العظيم ومنطقة محايدة مدمرة ومنطقة دول المحيط الهادئ التي يحكمها اليابانيين.

المسلسل مصنوع بنبرة حزينة ومؤلمة بطريقة تثير التعاطف والحزن من كمّ الوحشية التي يعامل فيها النازيين واليابانيون الأناس العاديين والمقاومة المحلية الى حد سواء .. مع نبرة أمل تتمثل بشخصية مجهولة توزع بكرات فيديو تحوي مشاهد من تاريخ بديل يفوز فيه الحلفاء .. التاريخ الذي نعرفه نحن .. هذه نبرة عوالم موازية واضحة.

وأنا بغض النظر عن النبرات التي صنع بها هذا المسلسل فقد شعرت بالحزن فعلاً من المصائر الوحشية لأولئك الناس الذين أجبروا على العيش مُحتلين من قوتين لم توصف أي واحد منهم باللطف في يوم ما.

لكني فكرت أيضاً بكم التناقضات التي تعيش فيها العقلية الأمريكية التي شبعت تكبراً وغروراً لدرجة أن تتصرف بتلك الأحقية التي لا تسمح بأن يصيبها أي أذى حتى إن كان تمثيلاً .. وهذا ما سيظهر لك حتى نهاية أحداث المسلسل .. ومع ذلك تسمح بحدوث أذى فعليّ لبقية الناس .. هنا تكون المشاعر محتكرة بيد القوي الذي لا تجرؤ أي جهة على مواجهته وهو فقط من يقرر من يستحقها.

أحقية أن تساعد وتمول قتل الناس بنفس من معه القوة والحق المطلق بينما تملأ الدنيا صياحاً بسردياتك الكاذبة .. هذا سهل عندما تكون كافة مفردات اللعبة بيدك بشكل غير عادل بالمرة وكأنك تلعب لعبة فيديو بشخصية لا تموت ولا ينفذ سلاحها.

فلسفة القوة هذه التي لا يشعر أصحابها بالرضا سوى بكسر الناس وفرض مصائر أخرى غير المصائر التي يريدونها لأنفسهم .. الوحش الذي لا يشبع من الافتراس والتدمير .. الوحش الأحمق الذي لا يتعظ بمصائر الوحوش التي سبقته.

ذكر جو موتلي في كتابه دعابات جو ميلر على لسان أحد الأمريكيين أن الحدود الغربية للولايات المتحدة الأمريكية هي يوم الحساب .. أعتقد أنها حدود مناسبة لهم لأن يوم الحساب سيأتي لا محالة .. وقد يكونا يوميّ حساب لا واحد فقط.