مرحباً بك يا صديقي
مضى أسبوعان لم أنشر خلالهما شيئاً هنا، ويبدو أن وقتي بحاجة لتنظيم أكثر، لذلك سأحاول التعود على الكتابة إما في الصباح الباكر وإما قبل النوم كما أفعل الآن أو قد أفعل ذلك في الوقتين معاً وأعتقد أن هذا أكثر مرونة لأنني لست متفرغاً كستيفن كينغ الذي يقضي الفترة الصباحية في الكتابة حتى بداية الظهر ثم يمضي بقية النهار مع العائلة وفي هواية المشي في الطبيعة …. المشي عادة مثيرة للتفكير وبخاصة لو كنت كاتباً ويبدو أنه لا غنى عن الحركة لكي تحرك الأحداث في خيالك قبل أن تسكبها على الورق.
عن أحاديث الشُرفات
لا بد أنك قد لاحظت أنني وضعت هذا العنوان : ” أحاديث الشرفات ” ووضعت بعده الرقم واحد أي أنه سيكون بداية سلسلة.
إختيار العناوين أمر صعب حقاً ويستهلك وقتاً لا بـأس به قبل وأثناء وبعد كتابة أي شيء سواء أكان تدوينة أو قصة أو أي نوع آخر من النصوص لذلك فكرت طويلاً بعنوان ما أضعه للتدوينات التي أكتبها والتي أتناول فيها أحاديث متفرقة لا يجمع بينها شيء محدد وخطر لي بعدها هذا العنوان بعد أن تخيلت شُرفة تُطل على مشهد واسع وقد وُضعت بها أريكة كبيرة بشكل يجعلها مكاناً مثالياً للتأمل وتبادل شتى الأحاديث ..
أعتقد أنها ستكون المكان الملائم لذلك سواء في الصيف بنسماته الرحيمة أو في الشتاء عندما تُغلق الألواح الزجاجية المجال أمام لذعات الرياح الباردة وتعطيك الفرصة لتأمل هطول المطر ومراقبة العربات التي تمضي بعيداً وهي تُحرك ممسحات زجاجها برتابة، لذلك أرجو منك أن تتخيل هذا المشهد وأنت تقرأ التدوينات التي أعطيها هذا الاسم.
المكتوب على الجبين وإخضاع الكلب
انتهيت منذ مدة من قراءة كتاب ” مكتوب على الجبين ” لجلال أمين وهو آخر كتاب نشره قبل أن يتوفى، قرأته أول مرة منذ عدة سنوات عندما كنت أنتظر الأُسطى لنصنع ونخبز سوية الفطائر التي سيتناولها الزبائن في الصباح، سأتكلم عن هذا بتفاصيل أكثر كإحدى ذكرياتي التي أكتبها في قسم المصطبة.
كتاب الكاتب الأخير يختلف عن بقية كتبه وبخاصة عندما يكتبه وهو متيقن من أنه آخر ما سينشر له ويقرأه الناس وجلال أمين كان يكتبه بهذا النفس لذلك أهدى لنا هذا الكتاب الرائع المليء بالمواقف والذكريات التي كتبها بأسلوب من عرف الكثير وصار التسامح مع البشر طبعاً ملازماً له، بعض الشخصيات التي كتب عنها مسّت أوتار قلبي باعتبارها أنماطاً من الصعب أن تتكرر بحكم اختلاف الزمن والأحوال والمجتمعات.
كتاب جلال أمين ذكرني بكتاب ” صديق قديم جداً ” لابراهيم أصلان الذي كان هو الآخر آخر كتبه وهو من الكتب التي أرغب بتكرار تجربة قراءته مرة أخرى.
كتاب آخر قرأته في الفترة الأخيرة وهو رواية ” مكتبة منتصف الليل ” تدور حول امرأة تجد نفسها في مكان أشبه بمكتبة تخوض من خلالها تجربة العيش بحيوات مختلفة كلّ منها مبنية على تغيير أحد القرارات المصيرية التي اتخذتها مسبقاً .. لم أحب الرواية ولا أعلم إن كانت الترجمة هي السبب أو الأحداث نفسها لذلك توقفت عند منتصفها ولم تعد لدي أي رغبة في إكمالها.
قرأت بعدها رواية ” إخضاع الكلب ” للكاتب أحمد الفخراني .. كنت قد قرأت له من قبل رواية ” بار ليالينا ” .. القصة مكتوبة بطريقة مشوقة ومتلاحقة الأحداث واستمتعت بقراءتها برغم جو الحزن السائد المتصاعد بها.
التغريبة السورية
اليوم بدأ أحد أصدقاء العمل نصيبه من الرحلة التي قطعها الكثير من السوريون قبله باتجاه أوروبا .. الرحلة الخطرة التي لا تقل سوءاً وخطراً عما خاضوه داخل سوريا ..
جاءني اليوم وهو يتحرك بعجلة محاولاً إغلاق بقية الأمور التي تخص العمل .. شرح لي بسرعة مفردات فاتورة ثم ودعني وتعانقنا بذات السرعة ثم مضى.
شعرت بغصة كبيرة نحوه لأن حاله كحال الكثيرين الذين لا يكادون يستقرون في مكان وتبدأ جذور الاستقرار بالامتداد فيه حتى تأتي الظروف والمخاوف المبررة لتقتلع تلك الجذور وتجعل بقاءهم أمراً محفوفاً بالعديد من الاحتمالات السوداء .. هذه التغريبة التي لا تبدو لها أي نهاية قريبة.
أتمنى يا مجد أن تصل الى مبتغاك سالماً وأن تذوق طعم الأمان والاستقرار خلال بقية العمر الذي يمضي .. كعادته .. بسرعة أكبر من سرعتك وأنت تُنتزع من حياة وتُرمى .. مجبراً .. في حياة أخرى.
القط الذي اختفى ثم ظهر
على طريق سيري أثناء رحلة عودتي من العمل وأمام أحد متاجر الأغذية المعروفة يقف قط مشمشي جميل برغم ضعفه الملحوظ .. كان يقف تحديداً أمام باب الخروج الذي كانت تأتي منه نسمات التكييف المركزي كلما خرج أحد ما من المتجر .. النسمات التي تجعل الحر أكثر احتمالاً مع احتمال أن يضع له أحد ما بعض الطعام ليأكله.
دخلت منذ فترة واشتريت له وجبة جاهزة معبئة بكيس سلوفان صغير وفتحتها ووضعتها أمامه وبدأ يأكل وهو يموء بتلك النبرة المثيرة للعواطف التي تجيدها القطط، ثمن الوجبة لا يتجاوز ثمن قطعة حلوى من النوع الجيد أي أنها ليست مُكلفة ولن تُشعر أي إنسان بالشبع ولكن قيمتها تكفي لشراء وجبة من طعام القطط ستُشبع القط المشمشي الهزيل ليوم كامل على الأقل.
قررت أن أكرر هذا كل عدة أيام ولكن القط اختفى بعدها ولم أعد أره رغم مروري اليومي عند تلك البقعة .. شعرت بالحزن وتوقعت أن يكون قد أصيب بحادث ما، خطر لي أيضاً بأن هناك من رآني أقدم له تلك الوجبه وحسده فحصل له مكروه ما، لا أدري إن كان هناك من يستطيع أن يحسد قطاً هزيلاً على طعامه ولكن الخيارات في هذه الدنيا مفتوحة على أمور تحدث رغم تفاهتها، تأملت في النهاية أن يكون شخصاً ما قد أخذه ليضعه بمكان أفضل وأقل خطراً.
البارحة فقط رأيته يقف في نفس مكانه السابق ففرحت ودخلت لأشتري له الوجبة إياها ولكنه استغل فرصة فتح باب الخروج فدخل نحو المتجر وبدأ يتمسح بالزبائن فأتت إحدى الموظفات وأخذته الى مكان ما في الطرف الخلفي من المتجر … يبدو أن هناك وجبة أخرى بانتظاره هناك … هكذا كانت الوجبة التي اشتريتها من نصيب قطي توم 🙂
التعليقات :