مرحبا بك يا صديقي …

هذا ليس عدداً خاصاً من أحاديث الشرفات .. لكن مع ذلك هو عدد خاص وخاص جداً.

تمر السنوات وأنت في حالة ضيق وفقدان أمل لا ترى له نهاية .. ترى من حولك في أحوال أشدّ فتزداد ضيقاً وبعداً عن الأمل.

فجأة .. ومن غير انتظار .. يفتح الله لك باب رحمة واسع .. باب لم يخطر لك وجوده أصلاً .. وكأن الدنيا كانت ظلاماً دامساً سلّط النور عليه في لحظة وصرت بعدها تشكّ أنه كان موجوداً منذ البداية.

ظلام طويل مر على سوريا .. ظلام نصف قرن وزيادة .. هناك من شب وعاش ومات خلاله .. ظلام لم أعرفه غيره منذ وعيت على الدنيا حتى صار بالنسبة لي .. ومثلي ملايين .. هو الحالة الافتراضية للحياة.

طار الظلام الجاثم على الأنفاس خلال إحدى عشر يوم .. والحقيقة أنه بقي يهترأ لسنوات طويلة على وقع المعاناة والدم والدموع .. هناك من حسب أنه يستطيع تغيير سنن الله في الكون … الشر لا يتعلم من الدروس وإلا لكف عن كونه شراً.

نحن واقفون على فوهة أمل كبيرة .. وكلنا رجاء من الله في حياة رحيمة.

كان لنا وطن فقدناه منذ زمن طويل .. واستعدناه الآن ولله الحمد.

مرحباً بك مرة أخرى …

بعض من الذكريات

من أول الأمور التي خطرت لي وأنا أشهد النهاية الناجحة للثورة تلك المسارات التي كنت أمضي بها على وقع عادتي القديمة في التجوال شبه اليومي في أحياء وسط حلب.

كنت أحسب أنني نسيت تفاصيل الشوارع التي كنت أهيم فيها وأحفظ كل شبر منها وأنه قد حدث لي ما حدث لخالي رحمه الله الذي غاب عن مدينته لثلاثين سنة ولما عاد لم يقوى على السير خلالها دون دليل بشري.

كانت تلك التفاصيل غائصة في مكان ما في ذاكرتي عندما أتتها تلك الأخبار التي جعلتها تكتشف أنها تجيد السباحة وتستطيع العوم .. هكذا بدأت أتذكر كل شيء وبالأخص أماكن المكتبات هناك .. الأمر الذي كنت محروماً منه في مكان استقراري الحالي.

لا أعرف إن هي مازالت موجودة .. سنوات عديدة مرت والناس همهم الأول .. حرفياً .. كان تأمين الخبز الذي أزاح كل ممارسة إنسانية أخرى من المشهد.

لو كانت موجودة فمرحى .. وإن لم تكن فوجودها مرة أخرى مرتهن بالوقت لا أكثر.

كبشة من الآلام

برغم كل هذا القدر من الفرحة بتحرير سوريا فلم يخلو الأمر من الآلام .. هي موجودة دائماً وهناك من يستعين بها لمقاومة الفرحة لأنها قد لا تواتي صحته في أحيان مختلفة.

الناس التي نحسبهم عند الله من الشهداء .. المقاتلين الأبطال على طريق التحرير .. ضحايا قصف الطيران والقصف المدفعي .. الأبرياء القابعين في بيوتهم والذين كانوا أهدافاً سهلة للنظام البائد ولشركائه الروس والايرانيين .. اجتمع بعض من جبناء الأرض على من لا حول لهم ولا قوة.

السجناء الذين تحرروا بالكاد وما أزال أمامهم وقت طويل حتى تعود الحياة الى طبيعتها بالنسبة لهم .. ولا أحد يضمن رجوعها.

الناس الذين ضاعت حياتهم في سنوات طويلة غير مستقرة لم يستطيعوا فيها تأسيس أي شيء وحتى لو فعلوا كانت تأتيهم تحديات تجعلهم يعيدوا البناء من جديد.

الأطفال واليافعين الذين تآلفوا على مجتمعات وصاروا بعد ذلك مضطرين الى مغادرتها لأماكن أخرى … سيعتادون سريعاً فيما بعد ولكن كل هذا كان زمناً ضائعاً بسبب شياطين الأرض.

كبشة من الآلام ستنجح الأيام وينجح الأمل في تبديدها إن شاء الله.